مُلخص لرواية "المسخ" لفرانز كافكا

رواية المسخ بقلم المؤلف فرانز كافكا، ويُترجمها البعض تحت اسم "التحوّل" هي واحدة من أشهر أعماله وقد نُشرت لأول مرة عام ١٩١٥م حيث استكشف فيها مشاعر الوحدة والغربة والهُوية والصراع بين ميل الإنسان للبحث عن قيمته ومعنى حياته. يُصنف الكتاب أحيانًا كقصة قصيرة، وأحيانًا أخرى يُعتبر أطول من أن يكون قصة قصيرة وأقصر من أن يُعد رواية لذلك من الأفضل القول إنها تعد من أعماله القصيرة.


تدور الرواية حول رجل عادي يُدعى"غريغور سامسا" الذي يعمل بائعًا متجولًا لإعالة أسرته. في صباحٍ مشؤوم يستيقظ بعد أحلام مضطربة ليجد نفسه وقد تحوّل وهو في سريره إلى حشرة عملاقة مُقززة. في البداية لم يستطع تصديق ما حدث، وظنّ أنه مجرد حلم، فقرر العودة إلى النوم قائلاً: «لم لا أنام قليلاً مرةً ثانية وأنسى كل هذه الأمور الخرقاء؟» لكنه سرعان ما يُدرك أن ما يعيشه ليس حلمًا بل واقعًا مريرًا، ليصدم ويتغير مسار حياته بشكلٍ مفاجئ.

بعد تحوّله بدأت عائلته شيئًا فشيئًا تُدرك ما حلّ به، فتفاعلوا مع الأمر أوّلًا بصدمة ثم بالحيرة والارتباك قبل أن تتسلّل مشاعر الخوف والنفور إلى قلوبهم تدريجيًّا حتى غلب عليهم الاشمئزاز، وأخيرًا استقرّوا على اللامبالاة التامّة، وراحوا يُفكّرون في التخلّص منه رغم أنّ غريغور كان يفعل كلّ ما في وسعه ليكون عبئًا ضئيلًا على أسرته، ومع ذلك رُفض تمامًا، وعاش في عزلةٍ تامّة. هنا يُطرَح السؤال: إذا لم يكن هناك من يهتمّ لأمرك، فهل يبقى شيءٌ تعيش من أجله؟

 

للأسف نتيجة لتعامل عائلته السيء معه، وتحت وطأة العجز وقلة الحيلة، ومعاناة الجسد والنفس تتفشى الكآبة في روحه، وتبدأ آلامه في القضاء على جسده محولةً معاناته إلى سبب رئيسي لوفاته. مشاعره الكئيبة دفعت به إلى التفكير في الانتحار، ليغادر الحياة بمحض إرادته. كان هذا الخلاص الذي اختاره ليُريح نفسه من الوضع الذي لا يطاق، وليرتاح من حوله من عبء وجوده، وفي النهاية قدم نفسه فداءً لعائلته، كخدمة أخيرة بقدر ما كانت تضحية نبيلة من أجلهم.

والشيء الصادم في الأمر هو أنه بعد وفاة غريغور يعم الفرح والسرور أرجاء المنزل. في تلك اللحظة يقدم الأب نخب الفرح مصحوبًا بعدة صلوات له ولأسرته، كما لو أنهم قد ارتاحوا أخيرًا من البؤس والقرف والعبء الذي كان يثقل كاهلهم لفترة طويلة ثم تستقل العائلة العربة في نزهة إلى الريف، وتعود حياتهم الروتينية كما كانت قبل تحول غريغور، وفي النهاية يفكر الوالدان في إيجاد زوج لابنتهما جريت بعدما استعادة قوتها وجمالها، وكأن شيئًا لم يكن.

 

لقد تأثرنا بشدة من مثل هذا الرفض والقسوة، أليس لدى عائلة غريغور قلب؟ ماذا لو كان وضعنا مشابهًا لوضعه نعيش بلا خيار أو حرية؟ خوفنا الأول هو قلقنا الأناني من أن نُنبذ من قبل الجميع لأنهم افترضوا أننا مُقرفون! هل نحن سعداء فقط لأننا نشعر أننا قادرون على التحكم في الآخرين؟ هل نحن ندفع الآخرين للأسفل دون تفكير من أجل أن ننتصر نحن؟

لا يوجد عالم لا يُمكن تغييره، لذا لا تحاول أن تجد لنفسك مكانًا في مجتمع مريض مقابل أن تُهمّش، ففي لمح البصر سيخسر الجميع إنسانيتهم ويتخلون عنك كما تخلت عائلة غريغور عنه، فهل هذا يعني أن نتقبل بيأس ما ينتظرنا بلا أمل في عيش حياة طبيعية؟

الحقيقة أن الأمر ليس بتلك السهولة، فالبعض منا للأسف يظن أن الانتحار هو الأداة المناسبة للهروب لكن الحل الأول والأخير هو أن تصقل الإرادة التي بداخلك وتحوّلها بنفسك إلى حقيقة (الأمل والعمل سيقودانك إلى النجاح).

*قد قال أحد الكتاب عن موت غريغور إنه ربما كان أشد فرحًا من عائلته بمصرعه، فموته كان له بمثابة إحياء لذاته مرةً أخرى: «وبكونه ترك نفسه يموت، فقد أعاد خلق هويته البشرية، ولكونه انمسخ كان يجب أن يموت، وبعدها سيصبح كل شيء على ما يرام».

هل حقًا تحول سامسا إلى حشرة عملاقة مُقززة أم أن الآخرين رأوه بهذه الطريقة فقط؟

يُنظر إلى التحول كمنظور مزعج للطبيعة البشرية التي نحاول غالبًا نسيانها. لا يتم توضيح نوع المخلوق الذي تحول إليه غريغور بشكل صريح. أعتقد أن الكاتب عمد إلى هذا الغموض لأنه أراد منا أن نتخيل جسد وحالة غريغور الجديدة كما لو كنا نعيش اللحظة معه مستكشفين تغيُراته الجسدية، فلا يفترض بنا أن نعرف بالضبط ما الذي تحول إليه، فالعبرة ليست بما تحول، بل في سبب تحوله إلى هذا الشيء البغيض!

 

بدت عملية تحوّل غريغور ناتجة عن صراعات واضطرابات داخلية في روحه. كان شخصًا يعمل بجد لدرجة الإرهاق من أجل إعالة أسرته، ليعيش حياة فارغة رغمًا عنه غارقة في روتين ممل يتناقض تمامًا مع رغباته وطموحاته. هذا الروتين الذي قيد ذاته البشرية حوله من رجل منتج إلى مخلوق بغيض ومضطهد (منبوذ لا قيمة له) قد يكون ببساطة مجرد حشرة سواء كانت حشرة فعلية أم لا!

في كلتا الحالتين بمجرد أن نفقد قدرتنا على العمل والإنتاج نصبح في هذا المجتمع ليس أكثر من حشرات مثيرة للاشمئزاز، قد نكون حشرات تكدح بلا شعور في وظائف نكرهها، أو حشرات لا تُنتج شيئًا، وهذا التشبيه يعكس عالمًا ظالمًا حيث يُنظر إلى الإنسان كجزء صغير تافه من المجتمع الأعظم، شيئًا فشيئًا يختفي هذا الإنسان ضمن قطعان المجتمع، وفي نهاية المطاف يُسحق كحشرة.

تذكَّر: لكل منا صوت يجب ألا نكتمه الخيار بيدك: إما أن تخضع وتسير في خطوات القطعان متخليًا عن حقيقتك وسجيتك، فتستمر في حياة لا تُحتمل، أو أن ترفض الخضوع، تتمرد، وتفجر رأيك، لتظل مخلصًا لنفسك وتعيش حقيقتك. 

أفكاري الخاصة: عانى كافكا مثلما عانى بها بطل روايته غريغور سامسا، فهل كانت حياة كافكا المملة مصدر إلهامه لكتابة شخصية سامسا؟ بمعنى آخر هل كان كافكا يتحدث عن نفسه في روايته من خلال شخصية غريغور سامسا؟ فقد كان كافكا مجبرًا على تلبية وصايا والده الذي فرض عليه الالتحاق بكلية الحقوق مما اضطره إلى ترك الكتابة واعتبارها مجرد نشاط  لملء أوقات فراغه، لم يكن قادرًا على مقاومة هذا الضغط مما أدى إلى تراكم مشاعر الكراهية تجاه أفراد أسرته.

*بالنظر إلى سيرة فرانز كافكا نعلم أن علاقته بأبيه كانت معقدة للغاية. كان كافكا يكره وظيفته لأنها كانت تُبعده عن الكتابة، ولم يكن متفاهمًا مع أسرته، فقد كانت قسوة والده تؤلمه بشكل عميق، وإذا نظرنا إلى اسم كافكا واسم بطل الرواية سامسا سنلاحظ أن كلا الاسمين يحملان نفس عدد الحروف، ويشتركان في نفس النغمة الموسيقية (النطق)، مما قد يكون إشارة رمزية إلى ارتباطهما الوثيق.

* كنت أظن أن الفكرة التي فهمتها سابقًا وصغتها أعلاه عن كوننا "حشرات كادحة" فكرة حزينة للغاية بالنسبة لي لكن عندما اكتشفت أن الروائي كافكا قد قرأ روايته هذه وهو يضحك مع أصدقائه، انتابني شعور غريب! لم أستطع أن أتخيل كافكا وهو يقرأ عن معاناته، ومع ذلك يضحك مع أصدقائه! كيف حدث هذا؟ ولم يتوقف الموضوع هنا، فقد قيل إن كافكا أخبر أحد أصدقائه بابتسامة مؤذية على وجهه قائلاً: «هناك أمل، ولكن ليس لنا» وهنا جلست أتأمل حائط غرفتي، وفاضت مشاعري من أفكاري السامة.

للأسف هي حقيقة مؤلمة نحن نُنبذ لأننا نعيش في مجتمع يحدد قيمة الفرد بناءً على الفائدة المادية التي يجنيها.

📝 بِقلمي (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).

زُمردة

تعطُّشي لِلمعرِفةِ جعلنِي مُحِبة لِتَفسِيرِ ما أقرأُ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الإِتّصال