بيرسونا نون غراتا: شخصٌ غيرُ مرغوبٍ فيه

في ميدان العلاقات الدولية تتجلّى أدوات التعبير عن المواقف السياسية في صورٍ شتّى قد يكون أعنفها وأشدّها وقعًا إعلان أحد أعضاء البعثات الدبلوماسية "شخصًا غيرَ مرغوبٍ فيه" وهو ما يُعرف بالمصطلح اللاتيني "بيرسونا نون غراتا"، كشبحٍ يهمس في أذنه: «ارحل، لقد ضاقت بك الأرض»، وفي هذه المقالة نقف على أصل هذا المصطلح ونكشف عن أبعاده القانونية والسياسية، ونستعرض ما قد يدعو دولةً ما إلى اتخاذ مثل هذا القرار الحاسم.

 

معناها القانوني والدولي: تُعرف عبارة "شخصًا غير مُرحبًا به" أو حرفيًا "شخصًا غير مرغوب فيه" بالمصطلح الدبلوماسي اللاتيني "بيرسونا نون غراتا" التي تشير قانونيًا ودوليًا إلى شخص أجنبي أصبح دخوله أو بقاؤه في بلدٍ معين محظورًا (ممنوعًا فعليًا) من قبل حكومة تلك الدولة كعقوبة له على تصرفاته غير اللائقة (بسبب فعل أو قول شيءٍ يسيء بشدة لتلك الدولة) حيث لا يُمكن لحكومة تلك الدولة معاقبته على تصرفاته بسبب حصانته الدبلوماسية، ويجب أن يُغادر البلد في فترة زمنية معينة غالبًا في غضون ٢٤ إلى ٤٨ ساعة، وقيل أيضًا أن العبارة تُترجم على أنها "شخص بلا نعمة" مما يعني أنه قد فقد الحرية والمزايا المميزة التي كانت لديه بعد أن أُلغيت حصانته الدبلوماسية.

ما هي الحصانة الدبلوماسية؟ الحصانة الدبلوماسية هي نظام مُتفق عليه بين الحكومات ينص على حماية المبعوثين و السفراء وأعضاء السفارات والوزراء والقضاة وأعضاء مجلس الشعب والشورى وغيرهم من ممثلي الدولة في الخارج من هيمنة السلطات المحلية، وذلك من خلال إعفائهم من المساءلة القانونية والعقوبات القضائية المتعارف عليها في قانون الدولة المضيفة، ووفقًا لهذا النظام لا يحق للدولة المضيفة مقاضاة هؤلاء الأفراد أو فرض العقوبات عليهم بسبب تصرفاتهم أثناء أداء مهامهم الدبلوماسية.

متى حصل مصطلح "بيرسونا نون غراتا" على معناه الدبلوماسي؟ حصل ذلك عام ١٩٦١م من خلال اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي تنص بموجب المادة التاسعة على أنه: «يمكن لأي دولة في أي وقت ودون الحاجة إلى تفسير قرارها أن تُعلن أن أي عضو في الطاقم الدبلوماسي أو غير الدبلوماسي قد أصبح شخصًا غير مرغوب فيه حتى قبل أن يصل إلى أراضيها»، وقد وقعت على الاتفاقية تقريبًا ١٩١ دولة.

إلى ماذا تهدف هذه الاتفاقية؟ تهدف هذه الاتفاقية إلى وقف الاعتقال التعسفي أو استغلال المبعوثين كرهائن كما كان يحدث في الكثير من الأحيان في القرن التاسع عشر.

بماذا يتم استخدام عبارة "شخصًا غير مرغوب فيه"؟ يتم استخدام عبارة "شخصًا غير مرغوب فيه" في الغالب كإشارة رمزية لدولة ما لإبداء عدم رضاها عن تصرفات دولة أو كيان آخر، وتحديدًا كخطوة انتقامية من دولة ضد أخرى على سبيل المثال كانت هذه العبارة تستخدم خلال الحرب الباردة (الغير مباشرة) كوسيلة للتعبير عن التوترات السياسية بين الدول.

 

ما هي الأسباب التي تؤدي للطرد الدبلوماسي؟ هناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى الطرد الدبلوماسي، وأبرزها عادةً التجسس أو التآمر أو انتهاك قواعد السلوك السياسي، ومن هذه الانتهاكات:

١) زيارة المناطق العسكرية المحظورة دون إذن مُسبق.

٢) التدخل في شؤون الدولة الداخلية أو التصرف بشكل سيء مثل الإدلاء بتصريحات غير ودية بشأن السياسة الداخلية أو الخارجية للدولة.

٣) التحريض ضد نظام الحكم سواء من خلال تشجيع أو تأييد أعمال التظاهر أو الإضراب المخالفة للقوانين المحلية المطبقة.

٤) التحريض على الانقلاب ضد رئيس الدولة أو الحكومة.

٥) ارتكاب جريمة أو استغلال الحصانة الدبلوماسية في عمليات تهريب مثل تهريب المواد المحظورة (الآثار، المخدرات، الذهب، الألماس) أو ممارسة أنشطة تجارية بهدف الكسب الخاص.

بالإضافة إلى هذه الأسباب هناك أسباب أخرى لا ترتبط بأي جرم ارتكبه الدبلوماسي مثل تدهور العلاقات السياسية بين الدولتين نتيجة مواقف أو تصريحات أو انتهاكات بعيدة عن سلوك السفير نفسه أو أن يتم الطرد لمجرد المعاملة بالمثل ردًا على إجراء مشابه قامت به الدولة الأخرى.

 

استعمالات أخرى لعبارة "بيرسونا نون غراتا" خارج النطاق الدبلوماسي: غالبًا ما تُستخدم عبارة "بيرسونا نون غراتا" للإشارة إلى شخص منبوذ كما تستعملها أجهزة الأمن بحق أي ضابط لم يلتزم بمبدأ التحفظ والصمت أو ما يُطلق عليه "جدار الصمت الأزرق"، وتورط في إطلاع زملائه الأقل رتبة على أسرار مهنية تتطلب التكتّم.


📝بقلمي (سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته).

زُمردة

تعطُّشي لِلمعرِفةِ جعلنِي مُحِبة لِتَفسِيرِ ما أقرأُ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الإِتّصال