قد يهرب الإنسان من واقعه، لا إلى الحُلم، بل إلى كذبةٍ يُتقن تصديقها، وهكذا وُلدت "متلازمة ريبلي" حين يُصبح التزييف أسلوبَ حياة، وتغدو الهوية
الحقيقية مجرّد ظلّ باهت في الخلفية. في هذه المقالة سنتعرف على مفهوم متلازمة ريبلي، وعلى اللحظة التي تتحوّل فيها الأكاذيب إلى واقعٍ بديل.
المشهد الأول: سيّد الزيف والوجوه المتعددة
المُصطلح
مأخوذٌ من
روايةٍ تُدعى "الموهوب السيّد ريبلي" التي نُشرت عام ١٩٥٥م للكاتبة
باتريشيا هايسميث تتتبّع فيها خطوات المحتال توم ريبلي ذاك الرجل الناقم على حياته الساعي دومًا إلى حياةٍ ليست له، لم يجد في
الصدق خلاصًا، فاتخذ من الكذب مَطية، ومن الجريمة وسيلة، ومن الزيف هوية.
يُخفي ذاته خلف قناع ثم يقتل صديقه الثري لينتحل شخصيته ويعيش حياته
بدلاً منه، كان كل ما يريده أن يحيا حياةً جميلة... حتى لو لم تكن حقيقته.
المشهد الثاني: حين تُصبح الكذبة واقعًا
تتحوّل الكذبة في عالم ريبلي إلى واقعٍ بديل، وتذوب هويته الأصلية داخل شخصية أخرى خلقها بيديه، ومن هنا استُخدم اسم ريبلي لوصف حالة نفسية نادرة تُشير إلى نوعٍ من الاضطراب في الشخصية في
هذه الحالة ينكر الإنسان حياته وواقعه، ويعيش ضمن سردية زائفة يختلقها
ويقتنع بها حتى يُصبح الخداع ذاته جزءًا لا يتجزأ من كيانه، وغالبًا
ما يمارس هذا النوع من الأشخاص الكذب بطريقة غير واعية، ليس بدافع الخبث
دائمًا، بل كوسيلة دفاع نفسي عن هشاشته الداخلية، فيستمر في خداع نفسه
أولًا، ومن ثمَّ الآخرين فيما يُعرف بالخداع الاجتماعي.
المشهد الثالث: بين الوعي والوهم
لا تحدث هذه المتلازمة بدرجةٍ واحدة، بل تتفاوت من شخصٍ لآخر تبعًا لقدرتهم على التحكُّم بأفعالهم وإدراكهم للواقع، فثمّة
من يظلّ عالقًا في نصفِ كذبة، وهناك من يغرق فيها حتى النخاع، ويبدأ
بعيشها كما لو كانت الحقيقة الوحيدة المتاحة له في هذا العالم.