مرض هاناهاكي: بتلاتٌ في الحلق

في ركنٍ من أركان الخيال حيثُ تتشابك العواطف بالصمت، وتُزهر الأحزان على هيئةِ بتلاتٍ في الحلق يولد مرضٌ غريب يُدعى "هاناهاكي" ليس مرضًا واقعيًا، بل صورة رمزية تُجسّد الألم الناتج عن حبٍّ لم يُكتب له أن يُزهر.

ما هو مرض هاناهاكي؟

هاناهاكي هو مرضٌ خياليٌّ عجيب غريبٌ عن المألوف لا مثيل له في الواقع يتمثّل هذا المرض في امتلاء حلق الشخص المُغرم بأزهارٍ تنمو ببطءٍ تحت وطأة الحبّ غير المتبادل، فتتفتّح داخله شيئًا فشيئًا، ويشرع في سعالٍ خفيف تتناثر معه بتلاتها ثم لا يلبث أن يتقيّأ تلك البتلات كاملةً سواء كانت زهورًا أم نباتاتٍ أخرى تُجسّد مجازيًّا ألمه الدفين في مشهدٍ يُعبّر عن وجعٍ لا يُرى، لكنه يمزّق القلب في صمت.

 

من هم الذين يُصابون بمرض هاناهاكي وكيف يبدأ المرض؟ يُولد هذا المرض في قلب من ذاق لذعة الحبّ من طرفٍ واحد، ذلك الحبّ الذي لم يُقابل بمثله، والذي لم يجد في الطرف الآخر أيّ ردٍ أو صدى، فتظل مشاعره معلقة في فراغٍ لا يُجاب، ويأبى قلبه أن يتجاوزها، ومع مرور الوقت تبدأ الأزهار بالنموّ في أعماق العاشق الصامت كما لو أن الفراشات قد اختارت أن تبني أعشاشها في صدره. يبدأ الاضطراب العاطفي بالتجذر تدريجيًا كوجعٍ خافتٍ لا يُرى يختبئ وراء ضحكاتٍ مُتعبة وسكونٍ طويل ثم رويدًا رويدًا يتسلّل الألم إلى الجسد حتى يغدو حقيقًة لا مفرّ منها.

قد تستغرق الأعراض شهورًا أو سنوات، ويختلف طول المدة باختلاف منسوب الحب وعمق الخيبة، ومع مرور الوقت يكبر الألم في الصدر، ويُنهك الروح شيئًا فشيئًا ثم يزحف نحو المعدة، وعندما يصل المرض إلى ذروته يبدأ المريض بسعال البتلات ثم لا يلبث أن يتقيأ الأزهار كاملة كأنما يلفظ ما تبقى من مشاعره دفعةً واحدة.

أين تنمو الزهور؟ تختلف من شخصٍ لآخر، فقد تنمو في القلب أو في الرئتين أو في المعدة، ولكنها جميعًا تشترك في أنها تُثقِل الجسد وتُرهق النفس، وتُعرقل التنفّس والكلام.

 

من أين جاء مصطلح "هاناهاكي"؟ الاسم مُشتق من كلمتين يابانيتين هما: "هانا"، وتعني "زهرة"، و"هاكي ماسو"، وتعني "يتقيأ" وعند دمج الكلمتين معًا نحصل على كلمة "هاناهاكي" التي تعني "تقيؤ الزهور"، ويُقال إن أول ذكر لهذا المصطلح غير معروف بشكل دقيق، ولكن يُعتقد أن أول ظهور له كان في مانغا يابانية قديمة نُشرت عام ٢٠٠٩م.

 

هل يوجد علاج لمرض هاناهاكي؟ نعم، يوجد علاج لكن جميع طرق علاجه مؤلمة وصعبة:

١) العلاج العاطفي: إذا بادل الطرف الآخر الحب بشكل رومنسي يختفي المرض على الفور، فيتقيأ المريض الزهور وتهدأ الأعراض كما لو أن البتلات تذوب تحت دفء الحب المتبادل.

٢) العلاج الجراحي: يمكن إزالة الأزهار جراحيًا، ولكن المريض سيفقد معها مشاعر الحب وذكرياته المرتبطة بالشخص الذي يحبه مع اختفاء البتلات، بل ويُقال إنه قد لا يعود قادرًا على الحب مرة أخرى أي أنه لن يصبح أبدًا قادرًا على الشعور بأي مشاعر حب تجاه أي شخص.

 

وماذا إن لم يُعالج؟ إن رفض المريض العلاج بالوقت المناسب إما خوفًا من النسيان أو تشبّثًا بمن يحب، فإن الزهور ستتفاقم داخله حتى تختنق رئتاه، ويموت بين بتلاتٍ لم تجد من يجمعها.

 

هل مرضٌ هاناهاكي حقيقي؟ لقد ذكرتُ سابقًا أن هذا المرض خيالي وليس واقعياً، ولكن بالنسبة لي تحمل رمزيته تأثيرًا قريبًا من الواقع. أشعر أنه حقيقي وأنه موجود بالفعل. طريقة وصفه للمشاعر وتبدل الأحوال تبدو لي واقعية جدًا. كم من الأشخاص أحبوا في صمت، وذبلوا دون أن يجدوا طريقًا للمقابل؟ في العلاقات بين العشاق أو الأصدقاء أو حتى بين الإخوة في العائلة غالبًا ما يقع أحد الأطراف ضحية لحب غير متبادل سواء كان حبًا أفلاطونيًا أو غير أفلاطوني. يصارع هذا الطرف داخليا في صمت مثل زهرةٍ امتلأت ولم تُقطف، وفي النهاية يجد نفسه في دوامة: إما أن يقطعها ليتحرر، أو أن تقطعه هي. 

تتحول مشاعر الحب بين العاشقين إلى مشاعر من التقزز أو التجاوز، والأفضل أن يستجمع المرء قواه ويقذف الزهور من فمه بقناعة كي لا يُقتل. "هاناهاكي" ليس مرضًا حقيقيًا، بل هو استعارة دامية لحب لم يجد طريقه إلى الحياة.

*أسأل الله أن يشفي القلوب قبل الأجساد، وأن لا تُسحق أرواحنا تحت ثقل مشاعرٍ لم تجد صدًى، وأن نملك الشجاعة لنبصق الزهور بأنفسنا قبل أن تختنقنا.

📝بِقلمي (سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ).

زُمردة

تعطُّشي لِلمعرِفةِ جعلنِي مُحِبة لِتَفسِيرِ ما أقرأُ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الإِتّصال