مقبرة عشاق شمال الصين: عناق أبدي

في عام ٢٠٢٠ نقب فريق من عُلماء الآثار في موقع دفن قديم (مقبرة داتونغ) في مقاطعة شانشي بمدينة داتونغ شمالي الصين، فوجدوا أثناء بحثهم ما يُقارب ٦٠٠ هيكل عظمي أو أكثر، لكن ما أثار الدهشة أكثر هو أنهم عثروا في نعش واحد على زوج من بقايا الهياكل العظمية البشرية لرجُل وامرأة يبدو أنهما محبوسان في "حضن أبدي". يُحتمل أن تعود هذه البقايا إلى فترة عهد أسرة وي الشمالية (٣٨٦م - ٥٣٤م) أي منذ أكثر أو حوالي ١٥٠٠ عام تقريبًا.

 

تفاصيل الاكتشاف: عندما تم العثور على الهياكل العظمية البشرية لاحظ العُلماء أن كليهما كانا مُمسكان بخصر الآخر. كان جسد الرجل في الجانب الأيسر مُنحنيًا تجاه جسد المرأة وذراعه اليسرى موضوعة تحت جسدها، بينما كانت ذراعه اليمنى ممدودة حول بطنها من جانبه (كما لو أنه كان يعانقها) تحديدًا كانت يده متشبتة على خصرها أما المرأة فقد ظهرت في الجانب الأيمن وكأنها تنفخ أنفها في كتف الرجل إذ كان رأسها متجهًا للأسفل قليلاً مما يعني أن وجهها (رأسها) كان يستريح على كتفه، بينما احتضنت ذراعيها جسده وفي إصبع يدها اليسرى الرابع (البنصر)، كان هناك خاتم فضي بسيط.

دلت الدراسات التي أُجريت على العظام بأن الهيكلين يعودان لرجُل وأنثى، ووفقًا للأبحاث من المحتمل أن الرجل قد توفي بين سن ٢٩ إلى ٣٥ عامًا، وكان طوله ١٦١.٥ سم (خمسة أقدام وأربع بوصات)، وقد أظهرت الفحوصات أنه كان يعاني من إصابات طفيفة بما في ذلك كسر غير مُلتئم في عظم زند ذراعه الأيمن بالإضافة إلى فقدان جزء من إصبع يده الرابع الأيمن (مقطوع) كما كان لديه بعض النتوءات العظمية في ساقه اليمنى، أما الأنثى فمن المحتمل أنها توفيت بين سن ٣٥ إلى ٤٠ عامًا، وكان طولها ١٥٧.١ سم (خمسة أقدام وبوصتين). كانت تتمتع بصحة جيدة (سليمة) ولم تكن تعاني سوى من بعض مشاكل الأسنان حيث كانت تعاني من تسوس الأسنان. كما عُثر على ثلاث أوعية فخارية بجوار المدفن بالإضافة إلى فحم ورماد عند قدم الرجل، ويُعتقد أنهما وُضعا كمواد مقاومة للرطوبة تحت التابوت أثناء الدفن.

 

قال الباحثون إنه على الرغم من أنه قد تم سابقًا اكتشاف العديد من المدافن التي تحتوي على هياكل عظمية مدفونة جنبًا إلى جنب في الصين إلا أن هذا يعد أول اكتشاف فريد من نوعه لدفن مُحب مزدوج في هذا الوضع النادر (المحفوظ بشكل استثنائي) من العصور القديمة الصينية حتى الآن، وأضاف الباحثون أن مثل هذه المقابر تساعد في فهم المجتمع السابق بشكل أفضل خلال تلك الحقبة.

* للعلم تم العثور في نفس المقبرة على زوجين مدفونين معًا لكن لم يكن هناك ما يثير الاهتمام بشأنهما (لم يعانقوا بعضهما، كما أن الأنثى لم تكن ترتدي خاتمًا).

التحليل والفرضيات:

يتكهن الباحثون أن الفترة التي عاشا فيها العاشقان خلال عهد أسرة وي الشمالية كانت فترة مضطربة سياسيًا حيث انتشرت العديد من الثقافات العرقية مثل مفاهيم الحب مع انتشار الديانة البوذية التي ساعدت في تشكيل أفكار جديدة حول الحياة والموت بما في ذلك الانتحار والحياة الأخرى. تغيرت بذلك المفاهيم الاجتماعية والسياسية والثقافية، فأصبح المجتمع أكثر انفتاحًا وجرأة، وتحررًا إلى حد ما في التعبير عن الحب بين الرجال والنساء وكيفية قبوله (تم الترويج لفكرة الانتحار بفضل انتشار قصص الحب الشهيرة ذات النهايات المأساوية مثل قصة روميو وجولييت).

١) التكهنات الأولية ترجح أن الرجل قد مات أولًا بسبب إصابته بشيء ما حيث توجد علامات لجرح لم يلتئم في ذراعه اليمنى، وعلى ضوء ذلك ربما قررت المرأة الانتحار طواعية لتُدفن بجانبه بناءً على الأسطورة التي تقول إنه "إذا دُفنا معًا سيتجسدان معًا في الحياة الأخرى".

٢) الاحتمال الأقل هو أن المرأة ماتت أولًا، فضحى الرجل بنفسه (انتحر) رغم أن المرأة كانت في صحة أفضل من شريكها أو ربما ماتا معًا بسبب مرض قاتل أو أثناء نزاع أو تسمم، أو ربما ماتا منتحرين.

* قيل أيضًا إنه تم وضعهما في القبر بعد فترة قصيرة من موتهما، ما يدل على دعم المجتمع للحب حيث لم يبعدوهما عن بعضهما قبل دفنهما.

*يُقال إنهما يشبهان إلى حد كبير عامة الناس. الإصبع المقطوع يشير إلى أن الرجل ربما كان محاربًا (مقاتلاً) أو شيء من هذا القبيل. خاتم المرأة بسيط مصنوع من الفضة (رخيص وعادي) ولا يحتوي على أي نقوش ورغم بساطته، فإنه قد يكون رمزًا لحبهما أو زواجهما، ومن المرجح أن الرجل كان يحمل خاتم زواج في اليد الموضوعه أسفل الهيكل العظمي للأنثى.

** لم يتم الحفر الكامل والتحليل الدقيق لبقايا الهياكل العظمية نظرًا لوضعية دفنهما الفريدة من نوعها لذلك قرر علماء الآثار تركهما في هيئتهما الأصلية ليتمكن الناس من رؤيتهما في المعرض المستقبلي للمتحف.

📝 بِقلمي .

زُمردة

تعطُّشي لِلمعرِفةِ جعلنِي مُحِبة لِتَفسِيرِ ما أقرأُ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الإِتّصال