الهايينيو: غواصات جيجو

النساء الغواصات في مُقاطعة جزيرة جيجو يُعرفن باسم الهايينيو أو الجامنيو، وهو مصطلح يُترجم إلى "نساء البحر" أو "حوريات البحر" في إشارة إلى مهارتهن العجيبة، فهنّ يغصن يوميًا في مياه المحيط الباردة دون استخدام بدلات غوص أو كمامات أكسجين أو أي معدات، ويتنقلن إلى أعماق قد تصل إلى عشرة أو عشرين أو حتى أربعة وثلاثين مترًا تحت سطح البحر لمدة قد تصل إلى خمس أو سبع ساعات بشكل منتظم. ما يُثير العجب هو أنهن يحبسْن أنفاسهن لأكثر من دقيقتين في كل مرة يغمرن فيها المياه كما لو أنهن حوريات بحر متخفيات، أما الرجال فيُطلق عليهم اسم "بوجاك".

ما العائد من غطس النساء في البحر؟ الغطس بالنسبة لهن ليس مجرد نشاط، بل مهنة تكسبهن رزقهن حيث يخاطرن بحياتهن في أعماق البحر لصيد المحار، وأذن البحر، وخيار البحر، والقنافذ البحرية، والأخطبوط، والحبار، وغيرها ثم يبعن ما جمعنه ليحققن عائدًا ماديًا يعينهن على الحياة.

غواصات جيجو يُصنفن إلى ثلاث مجموعات وفقًا لمستوى خبراتهن:

١ ) هاغون / هاجون (المبتدئة).
٢) جونجون / جونج جون (متوسطة الخبرة).
٣) سانجان / السانج جون (الخبيرة التي تُقدّم التوجيهات).

نظرًا لأن الغواصات ينتمين إلى نفس القرية تنشأ بينهن روابط قوية، فعندما تمرض إحداهن تقوم البقية بزيارتها للاطمئنان عليها، وغالبًا ما تكون الغواصة الأكبر سنًا برفقة الغواصة الأصغر سنًا للتأكد من سلامتها.

من أين بدأت عادة الغطس في جزيرة جيجو؟ قديمًا كان الرجال والنساء يعملون معًا في أمور البحر حيث كان الرجال يغوصون بينما كانت النساء يجمعن النباتات البحرية مثل الأعشاب البحرية، ولكن مع مرور الوقت بدأ معظم الرجال الغواصين يموتون (يغرقون) في البحار الهائجة أثناء الصيد أو بسبب الحروب، ونتيجةً لذلك نقص عدد الرجال بين السكان بشكل كبير مما اضطر النساء إلى امتهان الغوص بدافع الضرورة وتحمل أعباء الحياة سعيًا للرزق.

ويُقال أحيانًا إن الملك الطاغي رغم تجنيد جميع الرجال في الجيش إلا أنه فرض ضرائب باهظة على النساء، وكان يطلب منهن إرسال كميات كبيرة من أذن البحر كجزيه، وبالتالي اضطرت النساء إلى الغوص لدعم أطفالهن ودفع الضرائب الحكومية (كُنّ يُقدمن المحاصيل بدون مقابل)، ويقال أيضًا إن قدرة النساء على تحمل المياه الباردة بفضل نسبة الدهون العالية في أجسادهن جعلتهُن أكثر قدرة من الرجال على الغوص لفترات طويلة في البحر البارد.

بعد الاحتلال الياباني لكوريا أصبحت الغواصات يتصرفن بحرية في محاصيلهن ويبعنها، وحتى بعد انتهاء الحكم الياباني استمرت الغواصات في مهنتهن (تحولت من مهنة يهيمن عليها الرجال إلى مهنة النساء)، وأصبحت النساء فيما بعد المعيلات الرئيسيات لأسرهن بينما تولى الرجال مسؤولية العناية بالمنزل والأطفال.


في أي عمر تبدأ نساء جيجو في تعلم الغوص؟ تبدأ نساء جيجو تعلم الغوص في سن مبكر عادةً ما بين ال١٠ وال١٢ عامًا ثم يستمررن في الغوص حتى أثناء الحمل والولادة حيث يتركن أطفالهن الرضع ينامون في سلال على الشاطئ، وغالبًا ما يستمررن في هذه المهنة حتى نهاية حياتهن إذ يُتوقع أن يواصلن الغوص حتى يتجاوزن التسعين أو الثمانين أو حتى السبعين عامًا (مُسنات).

ما هي تقاليد الغوص؟ تقوم النساء بارتداء بدلات مطاطية سوداء وأقنعة قديمة تشبه المصابيح الأمامية (كالنظارات) كما يربطن أوزانًا ثقيلة حول خصورهن لكي يتمكنّ من الغرق بشكل أسرع، ويقمن بتخزين المحصول تحت "التيواك"، وهو جهاز تعويم أصفر يشبه العوامة مع شبكة سلة معلقة تحته، وعندما يصعدن لاستنشاق الهواء يُصدرن أصواتًا مميزة (التصفير) لطرد ثاني أكسيد الكربون من رئتيهن كما يستخدمن هذه الأصوات للتواصل مع بعضهن البعض طوال الوقت، وفي النهاية بعد عودتهن بسلام إلى اليابسة يقمن بتجفيف المحاصيل.

لماذا تقليد الهاينيو في عداد التوقف / الزوال؟ تم تناقل هذه المهنة من الأمهات إلى بناتهن لسنوات عديدة (تقليد متوارث)، ولكن بسبب مخاطر الغوص (الذي يعد صعبًا وخطيرًا)، والذي قد يؤدي إما إلى الغرق أو السكتة القلبية المفاجئة وينهي حياة الغواصات للأبد لذلك بدأت الشابات في التخلي تدريجيًا عن مهنة الغوص واتجهن للعمل في مجالات أخرى، ووفقًا للإحصاءات تعتبر الغواصات الحاليات في كوريا هن الأخيرات من نوعهن (الجيل الأخير).

ما هي العادة التي تقوم بها نساء الهاينيو في جزيرة جيجو؟ في شهر فبراير من كل عام تُقيم الغواصات النساء والصيادون والمزارعون في جزيرة جيجو طقوسًا شامانية تُسمى "جيجو تشيلميوري يونجديونججوت" لمدة أسبوعين، وذلك للترحيب بإلهة الرياح التي تُدعى "يونغ ديونغ هالمانج" أو "الجدة يونغ دنغ"، ولذلك يُطلق على هذا الشهر اسم "شهر إلهة الرياح" من قبل السكان المحليين.

تقول الأساطير بأن الجدة يونغ دنغ تقيم في الشرق وتزور جزيرة جيجو مرة واحدة في السنة خلال شهر فبراير، وعند زيارتها تجلب بذور الحياة البحرية التي تجدد نمو الأعشاب البحرية وتزيد من الأسماك و الأصداف وغيرها، ولكن في الوقت ذاته تمثل تهديدًا لحياة الناس لأنها تُحرك البحر برياحها الشديدة والباردة.

نظرًا لهذا الاعتقاد يُقام هذا الطقس بهدف الحصول على حصاد وفير حيث يُصلون من أجلها ويعتقدون أنها تساعدهم على حبس أنفاسهم وتوفر الحماية لهم. بعد انتهاء الطقوس يُقام حفل آخر لتوديعها، فإذا استجابت الإلهة لصلواتهم ورضيت عنهم، فإنها تجعل الجو دافئًا مما يُعتبر علامة على حصاد وفير بينما إذا لم تستجب (رفضت صلواتهم) فإنها تجعل الجو باردًا.

هناك مقولة تركز عليها الغواصات دائمًا: "لا تدعي الشجاعة تغلبك، ابقي تحت سطح الماء ما دُمتِ قادرة على كتم أنفاسك قد يبدو المحيط هادئًا لكنه سريع الغضب، لذلك ابقي تحت سطح الماء بالقدر الذي يسمح به جسدكِ".

معلومة: لكي تستمر ثقافة الهاينيو أدرجتها اليونسكو ضمن التراث الثقافي غير المادي لصونها من الزوال كما قامت كوريا بإنشاء متحف ومدرسة متخصصة لتعليم هذه المهنة على جزيرة جيجو.

إن مهنة الهاينيو ليست مجرد غوص، بل شهادة حية على قوة النساء حين يشتد الموج، وعلى إرثٍ لا يغوص في النسيان مهما قلّ من يحمله.

📝بِقلمي (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى).

(اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى).[٢]

إقرأ المزيد على موضوع.كوم: https://mawdoo3.com/%D8%A3%D8%AF%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9_%D9%88%D8%AC%D9%85%D9%8A%D9%84%D8%A9

(اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى).[٢]

إقرأ المزيد على موضوع.كوم: https://mawdoo3.com/%D8%A3%D8%AF%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9_%D9%88%D8%AC%D9%85%D9%8A%D9%84%D8%A9

زُمردة

تعطُّشي لِلمعرِفةِ جعلنِي مُحِبة لِتَفسِيرِ ما أقرأُ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الإِتّصال