أوهاغورو: جاذبية الأسنان السوداء في اليابان القديمة
الناشر : زُمردة-
تختلف معايير الجمال بحسب ثقافة وتقاليد وعادات كل شعب عن الآخر فبعض الشعوب في الماضي كانت ترى أن الحواجب المتصلة الكثيفة الداكنة مع شعر الشفة العليا (الشارب) والساقين المشعرتين، أو منحنيات الجسد (كالنساء الممتلئات)، أو الثديين الكبيرين، أو الحواجب العالية، أو حتى الأسنان المسودة كلها علامات أو مقاييس للجمال، وفي هذه المقالة سنُلقي نظرة موجزة على جاذبية الأسنان السوداء في اليابان القديمة.
أولًا: ما هو الأوهاغورو أو هاجورو؟ أوهاغورو هو ممارسة أو تقليد تقوم فيه النساء ببساطة بصبغ أو طلاء أسنانهن باللون الأسود.
ثانيًا: ما سبب صبغ أو طلاء الأسنان باللون الأسود؟ كان طلاء الأسنان باللون الأسود (التغميق) شائعًا بين الرجال والنساء، إذ كان يُعبّر عن العديد من المعاني والرموز المختلفة على سبيل المثال:
١) الولاء والخضوع والنُبل: كانت النساء المتزوجات يثبتن ولاءهن لأزواجهن من خلال هذه الممارسة كما كان الساموراي يثبتون ولاءهم لأسيادهم (بالنسبة للنساء كان سواد الأسنان يُعلم الرجال الآخرين بأنها مرتبطة وعفيفة، وبالتالي لا يزعجونها).
٢) القوة والكرامة والمكانة الاجتماعية: استخدمه الأرستقراطيون والبوذيون للتعبير عن مكانتهم الاجتماعية.
٣) النضج الجنسي والاستعداد للزواج: كان يُعتبر رمزًا لبلوغ سن الرشد بالنسبة لغير المرتبطين أي الأولاد والبنات ما بين سن الثالثة عشر والسابعة عشر، لذلك غالبًا ما يتم القيام به في المناسبات الخاصة مثل حفلات الزفاف أو عند زيارة الأضحية كرمز لحمايتهم لعفتهم.
٤) درء الأرواح الشريرة والحفاظ على صحة الأسنان: كان يُعتقد أن طلاء الأسنان باللون الأسود يساعد في إبعاد الأرواح الشريرة، ويمنع تسوس وتآكل مينا الأسنان، ويحافظ على صحة الأسنانكما يقي من الرائحة الكريهة للفم.
٥) تحسين المظهر والتعبير عن الجمال: حيث كانت الأشياء السوداء في اليابان قديمًا تُعتبر رمزاً للجمال بشكل خاص فقد كانت النساء يضعن مكياجًا أبيض اللون (لأن البشرة البيضاء كانت ترتبط بالثراء والترفيه)، والذي للأسف يُبرز شحوب لون الأسنان الطبيعي ، فتظهر الأسنان أكثر اصفراراً بشكل غير مرغوب لذلك كانت النساء يطلين أسنانهن باللون الأسود لتجنب الظهور بمظهر غير جذاب كطريقة تجميلية، وحتى الرجال الذين تعرضوا لأي تشوهات كانوا يقومون بذلك أحيانًا، ويُقال أيضًا إن صبغ الأسنان بالأسود يساعد في عدم قراءة تعابير الوجه، وبما أن جمال المرأة كان يرتكز على ثبات تعابير الوجه، فقد لجأن إلى هذا الأسلوب.
ثالثًا: متى ظهرت ثقافة الأوهاغورو تاريخيًا؟ استمرت عادة الأوهاجورو خلال فترات زمنية مختلفة من التاريخ الياباني. بدأت في فترة هييان (٧٩٤-١١٨٥م)، التي بلغت فيها ذروتها حيث كان يُستخدم إعلانًا لبلوغ صغار الطبقة العليا ثم في فترة إيدو (١٦٠٣-١٨٦٨م) استُخدمت من قبل المتزوجات والطبقة العليا والطبقات الاجتماعية الأخرى ما عدا الفقراء جدًا والصغار في السن أما في فترة ميجي مع تدفق الثقافة الغربية (١٨٦٨-١٩١٢م) فقد تراجعت ممارستها بعدما حظرتها الحكومة اليابانية.
* وجد في فترة كوفون (٢٥٠-٥٣٨ م) قبل فترة هييان بِكثير أثار لِأسنان سوداء مدفونة لِهياكل عظمية (وجِد في فترة هييان مجموعة من القِصص القصيرة) لِذلك لا يُعرف حقًا من أي فتره زمنية بدأ إِستِخدامُها ومن الأرجح القول إنها نشأت منذُ الآف السنين.
رابعًا: من أين أتى تقليد صبغ الأسنان بالأسود؟ لا يُعرف تحديدًا من أين أتى هذا التقليد ومع ذلك يُرجح أنه قد أتى من الهند أو الصين أو كوريا حيث تم استيراده من خلال التبادل الثقافي.
خامسًا: لماذا حظرت الحكومة اليابانية ممارسة الأوهاغورو؟ تراجعت ممارسة أوهاجورو مع تدفق الثقافة الغربية إلى اليابان، وتحديدًا في تلك الفترة التي بدأ فيها العديد من الغربيين زيارة البلاد، وعندما تنقلوا بين أجزاء اليابان استغربوا عادة صباغة الأسنان باللون الأسود، فبعضهم اندهش من قبح المنظر ولم يصدق ما رأوه معتبرينها عادة بغيضة، وافترض البعض أن السبب حتمًا هو سوء نظافة الفم بينما اعتقد آخرون أن هذه العادة وسيلة لتشويه مظهر المرأة كي تبدو قبيحة، وبالتالي تحثها على العفة وعدم الخيانة.
في نهاية المطاف وبعد أن استمرت ممارسة أوهاجورو لما يقارب مئتي عام تم حظرها نهائيًا من قبل الحكومة اليابانية يوم الخميس الخامس من فبراير عام ١٨٧٠م كجزء من جهود تحديث البلاد، ومع ذلك لم تختفِ عادة الأوهاجورو على الفور إذ استمرت ممارستها مؤقتًا بعد بداية فترة ميجي حتى عام ١٨٧٣م حين ظهرت الإمبراطورة اليابانية للعلن بأسنان بيضاء دون حلق حواجبها، مما أطلق موضة الأسنان البيضاء المثالية، ومنذ ذلك الحين اختفى الأوهاجورو كليًا (فقدت سحرها) بعدما اتجه المجتمع الياباني نحو جمال الأسنان البيضاء.
سادسًا: هل تُمارس عادة صباغة الأسنان فقط في اليابان؟ لا، ليست ممارسة يابانية فحسب، بل تمتد جذور هذه العادة لتشمل العديد من ثقافات جنوب شرق آسيا مثل الصين وفيتنام وكمبوديا وتايلاند كما توجد في أوقيانوسيا وجزر المحيط الهادئ وأمريكا الجنوبية واليونان أيضًا.
سابِعًا: هل لا يزال يُمكن رؤية الأوهاجورو في الحاضر؟ حتى لا يُنسى هذا الفن الأصيل لا يزال بإمكاننا رؤيته اليوم لكن ليس كعادة يومية، بل في أماكن خاصة ومحطات مميزة مثل المسرحيات التقليدية، والمهرجانات الشعبية، والأفلام التاريخية، وحتى في القصص المصورة كذلك يُمكن أن تلمحينه في أحياء معينة حيث تعمل الغيشا هؤلاء المضيفات المحترفات اللاتي يحافظن على التراث الياباني بكل تفاصيله بما في ذلك عادة الأوهاجورو كجزء من مظهرهن الفريد.
ثامِنًا) انتشرت خرافة / أسطورة عن الأوهاجورو، وهي كالتالي: ١) يُروى أنه كان هناك امرأةٌ تُدعى "أوهاجورو بيتاري"وهو اسم يعني ببساطة "الأسنان السوداء" تظهر في الليالي مرتديةً الكيمونو ذلك الرداء الفاخر المخصص لحفلات الزفاف، وتقف وحيدةً بجانب معبد أو ضريح. كان الشباب ينجذبون إلى مظهر ظهرها الساحر من الخلف، فيقتربون منها محاولين رؤية وجهها من الأمام بشكلٍ أوضح، ولكن حينما يقتربون منها بما يكفي تستدير فجأةً كاشفةً عن وجهها المرعب: وجهٌ بلا ملامح، أبيض كالجليد، بلا أنف أو عيون، وفمٌ مفتوح تبرز منه أسنانٌ سوداء حادة كالسهام ثم تصدر ضحكةً مخيفةً تملأ المكان بالرعب، فيهرع الشباب مذعورين يصرخون خوفًا ورعبًا، والغريب في الأمر أن هذا الوحش لا يؤذي أحدًا، بل يكتفي بإثارة الخوف والرعب فقط.
*يُعتقد أن وحش الأوهاجورو في الواقع امرأةٌ ماتت قبل يوم زفافها أو في يوم زفافها نفسه، ولهذا السبب تعشق إرعاب الرجال وبثّ الخوف في قلوبهم.
٢) انتشرت إشاعة مفادها أن عمال خطوط الكهرباء كانوا يستخدمون دماء الفتيات العذراوات (الأحياء) لطلاء الأعمدة باللون الداكن، ولهذا السبب بدأت العذراوات في مختلف مناطق اليابان بصباغة أسنانهن باللون الأسود ليبدين كأنهن متزوجات، وذلك لتجنب أن يُؤخذ دمهن أو يُقتلْن.
تاسعًا) كيف يُمكن تحضير مسحوق الأسنان الأسود؟ الطريقة التقليدية تتضمن صنع مشروب يُسمى كانيميزو، وهو مصنوع من نقع برادات الحديد (أسيتات الحديديك) في عصير الشاي أو الساكي مع إضافة الخل ودمجهم معًا، وعند تأكسد الحديد وتخمره يتحول السائل إلى اللون الأسود ثم تُضاف إليه بعض التوابل مثل القرفة والقرنفل و اليانسون لتقليل طعمه المر، وبعد ذلك يتم تنظيف الأسنان باستخدام عود أسنان ثم تُنقع فرشاة ناعمة مصنوعة من الريش في هذا المحلول، ويتم دهن الأسنان بها كما يمكن شرب المحلول مرة واحدة يوميًا أو كل بضعة أيام حسب درجة لون الأسنان المرغوبة، وذلك للحفاظ على ثبات اللون ومنعه من الزوال.
📝 بِقلمي (اللـهمَّ لا تحجبنا عنك بِعصياننا ، وتُبْ علينا وقربنا إلى حضرتِك، ووفقنا لطاعتِك، وعلمنا الأدبَ معك، ومع نبيِكَ سيدنا محمدٍ ﷺ، وأرزقنا حُسْنَ إِتباعِهِ ومحبتِه، وأحشرنا تحتَ لوائِهِ).