تتلألأ حكايةُ الأميرة بيونغ جانغ وأوندال الأحمق كنجمةٍ في سماء الأساطير تحكي قصةَ حبٍّ تجاوزَ التقاليدَ وتحدّى القيود. هي حكايةُ وفاءٍ وإصرار حيثُ تحوّل أوندال من متسوّلٍ بسيطٍ إلى جنرالٍ عظيم، بفضل حبّ الأميرة وإيمانها العميق به، وفي هذه المقالة سنسير معًا في دروب تلك القصة لنكشف الستار عن فصولها المدهشة.
يُروى أن الأميرة بيونغ جانغ الابنة الأولى للملك بيونغ وون (الملك الخامس والعشرون لمملكة جوجوريو خلال فترة الممالك الثلاث) كانت في صغرها فتاة كثيرة البكاء ذات شخصية حساسة لدرجة كانت تُثير أعصاب والدها الملك، وللتخلص من هذه العادة كان الملك يُهددها قائلًا: «إذا استمررتِ في البكاء، فسأزوجك من الأحمق أوندال»
«أنتِ تبكين كثيرًا حتى تمرضين، وإن استمررتِ في البكاء هكذا، فلن تكوني جديرةً بالزواج من أحد النبلاء، وسأضطر حينها إلى تزويجك من أوندال الأحمق!»
وبعد هذا التهديد كانت الأميرة تتوقف عن البكاء، وتتساءل عن هوية أوندال! فأوضحت لها ممرضتها أن أوندال متسول قبيح وأحمق لكنه يتمتع بقلب طيب يسعى لدعم والدته.
من هو أوندال؟ كان أوندال من عائلة فقيرة (والدته كفيفة)، وغالبًا ما كان يتجول للتسول بابتسامة مشرقة لإعالتها وإعالة نفسه، وبما أن ملابسه كانت دائمًا متّسخة وممزقة، فقد بدا بمظهرٍ قبيح أشبه بالحمار كما أن انحناء خصره وتصرفاته التي بدت حمقاء أكسبته سخرية كل من عرفه حتى لُقّب بـ"الأبله"، ووصل خبره إلى الملك الذي استغل اسمه لتخويف ابنته الأميرة.
قرار الأميرة الجريء: عندما بلغت الأميرة السادسة عشرة اقترح عليها والدها الزواج من ابن أحد النبلاء لكنها رفضت بشدة، وأصرت على أن يفي بوعده بتزويجها من أوندال. قالت له: «أنت دائمًا ما قلت بأنك ستزوجني من أوندال الغبي، والآن سأفعل ذلك» فأجابها والدها بحيرة: «كنت أمزح فقط» فردت عليه: «لا ينبغي لملك أن يخلف بكلمته أبدًا إذا كنت تكذب، فمن سيتبع أوامرك؟» فثار الملك غضبًا، وقال: «إذا لم تطيعي أوامري وتزوجتِ بأوندال، فأنتِ لستِ بابنتي! ويجب عليكِ مغادرة القصر، لا أريد أن أراكِ!» حاولت الملكة إقناع ابنتها بالعدول عن قرارها لكن الأميرة أصرت ورفضت التراجع، وغادرت القصر حاملة حقائبها التي بداخلها مجوهراتها التي قدمتها لها والدتها للبحث عن زوجها المستقبلي.
الزواج والتغيير: بعد أيام من البحث وجدت الأميرة كوخ أوندال في أحد التلال. عندما وصلت إليه أخبرته بما حدث معها بقلب صادق، ومع ذلك اشتبه أوندال ووالدته بقصتها، واعتقدوا أنها ثعلب عجوز في هيئة امرأة أو أنها غير جادة، فأخرجوها من المنزل بغضب.
فقامَت هي بدورها ببيع جميع مجوهراتها، واشترت بالنقود منزلًا وحقل أرز وأبقارًا وحصانًا وعبدًا ليعتني بحماتها الكفيفة وغيرها من ضروريات المنزل، فاقتنع كل من أوندال ووالدته بأقوالها وصدّقاها، وهكذا تزوج الاثنان في حفلٍ متواضع مما أثار صدمة الجميع في المدينة لدرجة أن جيرانهما اعتقدوا أن أوندال قد نال مكافأة على سلوكه الصادق وقلبه اللطيف.
التحول إلى بطل: لم تكتفِ الأميرة بإخراج أوندال ووالدته من الفقر، بل دفعت أيضًا تكاليف تعليمه، وأعطته تدريبًا احترافيًا في فنون الدفاع عن النفس والرماية والفروسية، ومع الوقت أصبح أوندال محاربًا لامعًا يتمتع بالمعرفة والفنون القتالية بإمتياز.
الاعتراف الملكي: بعد فترة نصحت الأميرة زوجها بالمشاركة في مسابقة الصيد التي تُعقد كل عام في الثالث من مارس حيث يتم تقديم الحيوانات التي تُصطاد كذبيحة للآلهة، وبما أن أوندال لم يكن لديه حصان أعطته الأميرة بعض المال وطلبت منه أن يشتري خيلًا مريضًا وضعيفًا ثم اعتنت به حتى أصبح في حالة جيدة، وعندما ركب أوندال هذا الحصان للمشاركة في المهرجان تمكن من صيد عدد أكبر من الحيوانات البرية في المناطق الجبلية مقارنة بأي مشارك آخر، ولذلك اختير كأفضل صياد خلال المهرجان. استمر تفوقه سنويًا في المهرجان مما لفت انتباه الملك بيونغ وون الذي استدعاه مع زوجته إلى القصر، واختاره ليكون جنرالًا لجوجوريو.
الأسطورة البديلة: في بعض الروايات يُقال إن أوندال أمسك الدرع والسيف الذي قدمته له زوجته، وواجه الغزاة الصينيين، وقتل جنرالهم بضربة واحدة مما أدى إلى هروب الجنود الباقين و انتصاره، وتارةً تقول الأسطورة إنه قتل عشرين جنديًا في لحظة، وبكل الأحوال عندما علم الملك بذلك سأل عنه واستقبله كصهر له، وجعله بطلًا عسكريًا (عيّنه في منصب يُدعى تايهيونغ).
النهاية المأساوية: واصل أوندال الدفاع عن البلاد ضد الصين ومملكة سيلا الكورية المجاورة، وفي نهاية المطاف لسوء الحظ في عهد الملك يونغ يانغ الذي خلف الملك "بيونغ وون" قُتل أوندال بسهم خلال معركة شرسة مع جيش سيلا بالقرب من جبل آشاسان عام ٥٩٠.
وداعٌ أبدي: لحظة الوداع الأخيرة للأميرة وأوندال
وفقًا للأسطورة قيل إنه عندما حان وقت نقل نعش أوندال للدفن لم يتمكن أحد من تحريكه (فقد كان التابوت عالقًا بالأرض)، فركعت الأميرة بجانب التابوت، ووضعت ذراعيها حوله، وهمست بلطف لزوجها الراحل: «زوجتك هنا بجانبك الحياة والموت فوق طاقتنا وقد قررتهما السماء بالفعل من فضلك أرقد بسلام!» ثم عندما حاولوا رفع التابوت تحرك أخيرًا وتم دفنه.
أوندال من الفقر إلى المجد رمزٌ للإرادة والتغيير: ومن بعد هذه الحكاية أصبح أوندال يُذكر في كوريا كرمزٍ للانتقال من الفقر إلى الثراء.
هل القصة خيالية؟ القصة ليست خيالية بالكامل، فهي مقتبسة من حقائق لشخصيات تاريخية كانت موجودة بالفعل، ولكن مع سرد خيالي.