هي حكاية فلسفية صينية طرحها معلّم روحي على تلاميذه الرهبان ليعلمهم القيم الواردة فيها (عبرًا أخلاقية)، وعلى الرغم من اختلاف نسخها إلا أن السياق الأساسي أي المحتوى متشابه إلى حد كبير، فما هي حكاية الكفيف والفانوس؟ هذا ما سنتعرّف إليه في هذه المقالة.
تُعرف الحكاية إما باسم "الضرير والفانوس" أو "الرجل الأعمى والمصباح".
١) الحكاية الأولى: (فانوسٌ لا يُضاء للعين، بل للقلب)
يُحكى في قديم الزمان أن رجلاً كفيفًا زار صديقه المبصر، وبعد حلول الظلام وقبل أن يغادر وهو على وشك العودة أعطاه صديقه فانوسًا ليضيء طريقه إلى منزله. قال له: «لقد تأخر الوقت والطريق مظلم يمكنك أن تشعل المصباح وتعود إلى المنزل بأمان» فأجاب الرجل الأعمى بغضب واحتجاج: «لا أحتاجه! ألم تكن تعلم أنني أعمى؟ من الواضح أنك تعرف! إضاءة الفانوس مضيعة للوقت، فأنا على أي حال لا أستطيع رؤيته! هل تحاول السخرية مني؟» فأوضح له صديقه سريعًا: «صديقي العزيز بالطبع أعلم ذلك، أنت لم تفهم ما أعني، وبدون أن تسألني أسأت الظن بي! لقد أشعلت الفانوس ليس لك، بل للأشخاص الذين سيأتون أمامك، فإذا رأوا الفانوس لن يصطدموا بك ولا يؤذوك» اقتنع الأعمى بكلام صديقه وقال: «في هذه الحالة سأخذه» ثم بدأ يمشي في الطريق، ولم يكن قد سار بعيدًا حتى أطفأت الريح ضوء الفانوس، فاصطدم بشخص ما فاقدًا توازنه وسقط على الأرض فقال الأعمى بغضب: «لماذا اصطدمت بي؟ ألا تنظر إلى حيث تمشي؟ ألم ترَ الفانوس مُنيرًا؟» فرد الرجل الغريب: «يا صاحبي! أنت مثير للشفقة! شمعتك قد انطفأت منذ وقت طويل» فقال الأعمى: «لقد انطفأ فانوس قلبك، فلماذا لا تنطفئ شمعتي؟».
٢) الحكاية الثانية: (فانوس الحكمة في ظلام الجهل)
ذات يوم صادف مجموعة من المسافرين الشباب رجلاً عجوزًا أعمى يمشي في الطريق حاملًا فانوسًا مما أثار في داخلهم الريبة والسخرية بلا تفكير، فقال أحدهم ساخراً: «يا رجل، أنت ضرير لا تستطيع الرؤية! فلماذا إذن تحمل فانوسًا منيرًا؟ إنه لا ينفعك!» ثم ضحك الشباب بقهقهةٍ صاخبة، وبعد أن توقفوا عن الضحك قال الأعمى بهدوء: «هذا الفانوس ليس لي، بل للآخرين الذين يستطيعون الرؤية» صُدم المسافرون من رده هذا، فأكمل الأعمى قائلاً: «الفانوس للأشخاص أمثالكم الذين يستطيعون الرؤية، وبما أنكم في الظلام لا تستطيعون الرؤية، فتصدِمون بأمثالي أما الآن مع ضوء الفانوس ستعرفون أنني بقربكم، ولن تدفعوني دون قصد» أدرك الشباب ما يعنيه كلامه، واعتذروا من الرجل الأعمى خجلًا من سلوكهم المشين ثم غادروا المكان.
٣) الحكاية الثالثة: (فانوس السلامة.. نور يحمي الذات والآخرين)
كان الرجل الأعمى دائمًا يحمل فانوسًا عندما يمشي ليلاً، فسأله أحدهم مستغربًا: «أنت لا تستطيع الرؤية، فلماذا لا تزال تحمل فانوسًا؟» رد الرجل الأعمى بثقة: «أنا أحمل الفانوس من أجل سلامتي الشخصية، ومن أجل سلامة الآخرين أيضًا. أريد أن يراني المارّة ولا يوقعوني أرضًا، فَضوء الفانوس يمكن أن يضيء المارّة الآخرين أيضًا، وهذا لا يساعد فقط الآخرين، بل يحمي نفسي أيضًا فالسلامة في الواقع تعادل مساعدة نفسك».
في إصدار آخر من الحكاية يُقال إن الرجل الأعمى يسير وهو يحمل فانوسًا وعلى رأسه جُرَّة إلى النهر، وبعد أن يسأله غريب عن فعلته هذه يرد الأعمى قائلاً: «يا فضولي، أنا أحمل الفانوس حتى يراني من قد لا يراني، لئلا يصطدم بي فيُسقط الجُرَّة من على رأسي وتنكسر!» أو يقول: «حملته لأعمى قلب أمثالك» أو يقول: «حملته مخافة أن يصطدم بي عميان القلوب أمثالك يا ولدي» وأحيانًا يُقال إنه يُغني بصوت عالٍ بينما يحمل الفانوس قائلاً: «لأنني رجل أعمى لا أدرك ما إذا كان الفانوس لا يزال مشتعلًا أو قد أخمده النسيم لذلك أستمر بالغناء بصوت عالٍ حتى يعرف الناس بوجودي ويتجنبوا الاصطدام بي».
٤) الحكاية الرابعة: (نور الفانوس في ظلمة الروح)
وصل راهب (بوذي / طاوي) إلى قرية نائية غامضة في الليل بعدما كان في رحلة بحثٍ عن بوذا (التأمل)، وبينما كان يسير في أحد الأزقة لمح ضوءًا أصفر خافتًا يسطع من نهاية الزقاق. قال أحد القرويين الذين كانوا يتجولون ذهابًا وإيابًا في الطريق: «هذا الرجل الأعمى قادم أليس كذلك؟» ذهل الراهب وسأل القروي الذي يمشي بجانبه: «هل ذلك الرجل الذي يحمل الفانوس حقًا أعمى؟» رد القروي: «نعم هو كذلك بالتأكيد» احتار الراهب في نفسه وقال: «الأعمى لا يرى، ولا يستطيع التفريق بين النهار والليل، الزهور والجبال وكل شيء في العالم... أليس من السخيف أن يختار حمل الفانوس؟ أليس الأمر محيرًا!» تدريجيًا وصل الأعمى إلى الراهب الذي سأله بخجل: «هل أنت حقًا أعمى؟» فرد الأعمى: «لسوء الحظ نعم أنا أعمى منذ ولدت، ولا أستطيع رؤية أي شيء» سأل الراهب : «بما أنك لا تستطيع الرؤية لماذا تحمل الفانوس؟» رد الأعمى: «هل حلّ الليل الآن؟ لقد سمعت أن الناس سيكونون مثلي لا يرون شيئًا إذا لم يكن هناك ضوء عندما يحل الليل لذلك أشعلت الفانوس» فقال الراهب: «إذًا أنت تُنير الفانوس من أجل الآخرين؟» فرد الأعمى: «لا أنا أفعل ذلك من أجلي!» متعجبًا سأل الراهب مرةً أخرى: «لنفسك؟ أنت تفعل ذلك من أجل نفسك؟» رد الأعمى: «هل سبق لك أن اصطدمت بأشخاص بسبب الليل المظلم؟» أجاب الراهب: «نعم! منذ قليل لقد صدمني بالفعل شخصان دون أن ينتبها» فقال الأعمى: «على الرغم من أنني أعمى ولا أستطيع رؤية شيء لم يحدث لي هذا قط! لأن هذا الفانوس الذي أحمله ينير للآخرين ويسمح لهم برؤيتي لذلك لا يصطدمون بي».
بعد سماع ذلك نظر الراهب إلى السماء متنهدًا وقال: «أنا والناس نقضي حياتنا بحثًا عن بوذا في أقاصي العالم غير مدركين أن بوذا حولنا، فالقلب يشبه الفانوس طالما أشعلته حتى وإن لم يتمكنوا من رؤية بوذا إلا أنه يرانا ويرافقنا في كل مكان وفي كل وقت».
ما هي الدروس الأخلاقية المستفادة من الحكاية؟ (تذكّر)
١) اختر كلماتك بعناية، فلا تعلم ما يمر به الشخص المقابل من ظروف وأحوال. ٢) طالما ظل النور في قلبك مشتعلاً سيبقى النور موجودًا معك مهما اشتدت الظلمات. ٣) لا تدع الظلام والهموم تسيطر على قلبك، فتفقد بهجتك وأملك. ٤) لا تكن كالمكفوف الذي لا يرى ما حوله كي لا تضيع أيام شبابك هباءً. ٥) آمن بقوتك، وواجه الصعوبات والتحديات بروح إيجابية. ٦) لا تحكم على الآخرين دون تفكير، فقد تخطئ في تقديرهم أو ظروفهم. ٧) عندما تساعد غيرك، فأنت في الحقيقة تساعد نفسك وترتقي بروحك.