جبل السيّدة النائمة: أسطورة وتاريخ

يُخلِق منظر قِمم الجِبال الخلابة والأخاذة الذي لا مثيل له مشاعرَ جياشة تخطف العقل والأنفاس بالإضافة إلى ذلك تلعب الجبال دورًا مهمًا في تشكيل الثقافات والحضارات الإنسانية، فالبعض يعتبرها مكانًا مقدسًا للعبادة والتأمل بينما يرى آخرون أنها مكان مناسب للاختباء أو لشن الهجوم وما إلى ذلك، وفي هذه المقالة سنستكشف أحد أجمل هذه الجبال، وهو جبل السيّدة النائمة، فأين يقع هذا الجبل، وما هي الأساطير المرتبطة به؟

ما هو الشكل الذي يتخذه جبل السيّدة النائمة من قِممِه، وكيف يمكن رؤية هذا الشكل من بعيد؟ تشكّل جبل السيّدة النائمة من سلسلة من التلال الجبلية التي يبلغ ارتفاعها ١٣٣٠ مترًا. يتجلى من على قِممه الحادة التي تُشكل معالمه وجهًا ملفتًا للنظر، وكأنها جذع علوي لامرأة مستلقية تواجه السماء. يمكن رؤيته بوضوح من بعيد حيث يظهر شكلها كما لو أنها في سُبات.

أين يقع جبلُ السيّدة النائمة؟ا لمثير للعجب أن الجبل يقع بين حدود دولتين، وهما شمال تايلاند في مُقاطعة تشيانغ ري حيث يُطلق عليه اسم "دوي نانغ نون"، وبين الفلبين في مُقاطعة كالينجا بمنطقة كورديليرا.

جمال المنظر الظلالي للإمرأة النائمة أثار الفضول وشكل مع مرور السنين العديد من الأساطير المختلفة لكل ثقافة، فما هي أساطيره؟

١)الأسطورة الفلبينية (قصة ماوانجا ولوبتينج): 

يُحكى أنه منذ قرون مضت أقام الرجل أوساي علاقة غير شرعية مع الشابة جامو التي أنجبت منها طفلةً خارج إطار الزواج تُدعى لوبتينج، ومع مرور الوقت انتشرت الأخبار في أنحاء المقاطعة بأن جمالها وصوتها يفوق الخيال، فباتت تُلقب بـ "أجمل الجميلات" مما جعل الشبان يتوافدون بكثرة إلى قريتها لتجربة حظهم في التقدم للزواج بها. سمع الشاب الثري ماوانجا بالأخبار عنها، فقرر السفر من قريته تينغلايان إلى قريتها طامحًا أن تقبل به، ولحسن الحظ قبلت لوبتينج به بعدما فُتنت بطبيعته اللطيفة وبنيته الجسدية (مُحارب وسيم).

بعد أيام من احتفالهما بخطوبتهما وعد ماوانجا بلقائها مرةً أخرى بعد خمسة أيام في جبل باتوكان للتخطيط لمستقبلهما ثم عاد إلى قريته ليُخبر والديه بخطوبته منها.

يوم اللقاء اندلعت حرب عشائرية شرسة في قرية تينغلايان، وللأسف قُتل  بها ماوانجا (قُطع رأسه)، وعندما وصل النبأ إلى لوبتينج رفضت مغادرة الجبل وبكت طوال اليوم حتى أدت دموعها الغزيرة إلى تآكل سفح الجبل ببطء ثم وقفت بلا حراك، ورفعت رأسها إلى السماء، وسقطت على ظهرها بلا حياة (وافتها المنية). 

مع مرور الوقت أخذ المكان الذي سقطت فيه دموعها شكلاً تطور ليبدو كهيئتها الحالية حيث انعكست صورتها الظلية على الجبل، لتذكرنا برغبتها في عودة حبيبها (ترقد في مواجهة السماء).

*غالبًا ما يتم سرد الأسطورة السابقة من خلال أغنية محلية من قبل قبائل كالينجا، ومع مرور الوقت اختلفت طريقة سرد القصة، وتحديدًا اختلفت الأسماء، وبغض النظر عن القصص المتداولة المتعددة بينهم إلا أن النهاية في جميعها تنتهي بموت المحارب واستلقاء السيدة على الجبل في حالة من اليأس.

 **يُعرف الجبل أيضًا باسم جبل باتوكان أو جبل ماتينج أو ديناياو أو جبل مانتينجوي.

٢) الأسطورة التايلندية: 

يُحكى أنه في مدينة شيانغ رونغ سيبسونغبانا كانت هناك أميرة جميلة للغاية وقعت في حب حارس الأحصنة بالقصر، وسرًا وطدت علاقتها معه حتى حملت منه، وبما أن علاقتهما كانت تخالف التقاليد الملكية، وعلى وشك أن تُفضح أفعالهما هربا معًا خائفين من عقاب الملك نحو الغابة الوعرة حتى وصلا إلى سهل قريب من نهر ميكونغ.

أُنهكت الأميرة فلم تستطع التحرك إلى أبعد من ذلك، فأخبرت حبيبها بأنها ستستريح قليلًا، فأخبرها أن تستلقي، وأنه سيذهب لإحضار بعض الطعام لها ثم غادر الشاب ولم يعد أبدًا.

عندما اكتشف الملك فعلتهما أرسل جنودًا لمطاردة الشاب وتعقبه، وللأسف أثناء بحثه عن الطعام قُتل على يد الجنود.

انتظرت الأميرة الشاب حتى جاءت إليها قوات والدها (الجنود) الذين أعلنوا مقتل الشاب ورغبتهم في عودتها إلى القصر، فبكت الأميرة ورفضت الذهاب ثم صلت وعندما انتهت من صلاتها سحبت دبوسًا من شعرها وطعنته في صدغها (رأسها) ثم سال دمها في النهر وأصبح الآن دمها مصدر النهر أما جبل دوي نانغ نون فقد تشكل من سجود جلالتها (يظهر الجبل كما لو أنها استلقت على ظهرها قبل موتها، وطفلها الذي لم يولد تحول إلى جبل قريب منها).

* خوم نام نانغ نون (منابع السيدة النائمة): هي بركة طبيعية تشكلت من دموعها، ويعتقد أن روحها تحرس كهف ثام لوانغ نانغ نون / الكهف العظيم للسيدة النائمة (يوجد بالقرب من الكهف ضريح لها).

٣) الأسطورة التايلاندية لكهف ثام لوانغ: 

يُحكى أنه بعدما مات الكثير في الحرب سارت الأميرة باغان إلى مكان المعركة لتبحث عن حبيبها الأمير لكنها لم تجده هناك، فتجولت كثيرًا في مسار بحثها عنه حتى وصلت إلى منطقة ويانغ سي ثونغ، وهناك التقت بالأمير الذي بدا أنه هرب مع امرأة جميلة (خائن قذر)، فشعرت الأميرة بحزن شديد لدرجة أنها بكت بمرارة، وتمنت أن يتحول جسدها إلى سلسلة جبال ثم ماتت وقلبها مكسور، وبعد وفاتها تحققت أمنيتها (نمت روحها إلى جبل ضخم).

٤) قصة تايلندية:

كان في قرية تنجلايان رجل يُدعى (البنا) اشتهر بشجاعته غير المعهودة وكونه محط أنظار الجميع غادر إلى جبل باتوكان كي يبحث عن زوجة تتوافق مع متطلباته.

بينما كان الوقت نهارًا توقف للاستراحة تحت شجرة كبيرة على مسافة بعيدة عن القرية حتى لا يراه أحد لأن ذلك قد يوقعه في مشاكل كون كل قبيلة لها مشكلة مع الأخرى، وعندما حل الليل نزل الشاب (البنا) ببطء بالقرب من القرية وبحث عن مكان للمراقبة، وبعد مرور بعض الوقت سمع صوتًا أنثويًا ناعمًا يُغني، فأنجذب للصوت وحاول الاقتراب منه حتى وصل إلى كوخ. اختلس من النافذة النظر، فرأى امرأة جميلة للغاية ذات عيون داكنة وشعر طويل مموج.

كان من الخطير أن يكشف عن نفسه لأهالي القرية حتى أنه قد يُقتل إذا تحدث مع أي من فتيات القرية لكن رغبته الشديدة في مقابلة الفتاة كانت أقوى من أي شيء، فطرق باب الكوخ وأعلن أنه جاء بسلام لمقابلة المرأة التي تُغني. بدايةً حثته الأسرة على المغادرة لكن الشاب أصر على ذلك ورفض الذهاب، فسمحوا له بالدخول على مضض ثم عرف الشاب "بانا" عن نفسه لهم وعن أنه كان يبحث عن زوجة ثم تقدم بخطبة الفتاة "إيدونسان"، فقبلوا وأقاموا حفلًا شارك فيه جميع سكان القرية من رقص وغناء ثم شهدوا تبادل العهود المقدسة بين الزوجين.

قضى الشاب "بانا" مع عائلة زوجته "إيدونسان" سبعة أيام لإثبات صدقه، وعلى طول منحدر جبل باتوكان قضى الزوجان شهر العسل يتناولان الفراولة ويمارسان الحب، وفي نهاية اليوم السابع غادر الزوجان إلى قرية الشاب "بانا"، وبمجرد وصولهم إلى القمة سمعوا أصواتًا غير عادية قادمة من قرية "بانا" التي كانت على بعد أميال قليلة أسفل منهم، فشعر الشاب بأن أمرًا خطيرًا يجري لذلك أمر "إيدونسان" بالبقاء في مكانها وانتظاره ثم ركض للتحقق مما يحدث، وبمجرد أن رآه أهل القرية أبلغوه بأن قريتهم تحت الحصار وأن قيادته ضرورية لطرد المتسللين، فواجههم لساعات وأمر رجاله بتحذير زوجته بعدم القدوم إلى القرية (كي لا تموت) ثم حارب حتى أنفاسه الأخيرة.

الرجل الذي أمره الشاب "بانا" بتحذير "إيدونسان" أصيب في نفس الوقت الذي أُصيب فيه الشاب "بانا"، وفي الناحية الأخرى انتظرت "إيدونسان" كثيرًا حتى انهارت ظنًا منها أنه لن يأتي من أجلها، وبكت بغزارة ثم توفيت ويُروى أن الأرض احتضنت جسدها فانبثق منه جبلٌ شاهق أما دموعها فانسابت لتُشكّل شلّالاتٍ رقراقة لا تزال تُغني بحزنها حتى اليوم.

وأخيرًا يظلّ الجبل شامخًا يجذب العيون والقلوب من كلّ بقاع الأرض، يأتيه الزوّار طامحين بنظرةٍ خاطفة إليه... كما ألقينا نحنُ نظرةً خجولة على أسطورته ثم مضينا تاركين خلفنا سرّه يتردّد بين الشلالات والغيوم.

📝 بِقلمي (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وَجَهْلِي، وإسْرَافِي في أَمْرِي، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي جِدِّي وَهَزْلِي، وَ خَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ).

زُمردة

تعطُّشي لِلمعرِفةِ جعلنِي مُحِبة لِتَفسِيرِ ما أقرأُ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الإِتّصال