اعتاد التاريخ أن يشهد قضايا مزعجة حقيقية لا يمكن للعقل البشري أن يتصور فسادها من روعتها ووحشيتها المطلقة بحيث يُذهل الإنسان أمامها، ولذلك لا تغادر هذه القضايا العقل لعقود طويلة إذ تركت في داخلنا اشمئزازًا أزليًا لا يزول، وفي هذه المقالة سنغوص بشكل أعمق في قضية الاغتصاب الجماعي في ميريانغ بكوريا الجنوبية.
في عام ٢٠٠٤م في مدينة ميريانغ الصغيرة الواقعة في مقاطعة غيونغسانج بكوريا الجنوبية وقعت سلسلة من حوادث الاعتداء الجماعي (جنسيًا وجسديًا) من قبل مجموعة من الصبية الحثالة من المدرسة الثانوية بشكل متكرر على عدة فتيات قاصرات من المدارس المتوسطة والثانوية لمدة أحد عشر شهرًا متواصلة على مدار العام.
* لمن يرغب في الاستماع إلى تفاصيل القضية (ويُفضل الاستماع على القراءة) يمكنكم الاطلاع على المقطع الصوتي على يوتيوب من هنا.
ماذا جرى بالضبط؟
عام ٢٠٠٣م في يوم من أيام يونيو حاولت فتاة مراهقة (الضحية أ تبلغ من العمر ١٤ عامًا، تُلقب بتشوي، وُلدت عام ١٩٩٠م) تعيش في مدينة أولسان بكوريا الجنوبية الاتصال بزميلتها في المدرسة الإعدادية (طلبًا للمساعدة)، ولكن عن طريق الخطأ طلبت رقمًا خاطئًا، وقد صادف أن رد عليها صبي يُلقب بكيم بارك من المدرسة الثانوية (يبلغ من العمر ١٨ عامًا)، ويعيش في مدينة ميريانغ، فحاولت إنهاء المكالمة بسرعة لكن الصبي خدعها بكلام معسول وبلباقة خبيثة اقترح عليها أن يتحادثا عبر الإنترنت، فوافقت إذ أثارها الفضول كونها مراهقة، وانتهى بهما الأمر إلى التعارف لمدة ستة أشهر عبر محادثات الإنترنت حتى كسب ثقتها مع مرور الوقت ثم قام الصبي المدعو كيم بدعوة الفتاة المدعوة تشوي إلى مسقط رأسه (ميريانغ) لتقضي بعض الوقت معه، ووعدها بأخذها في رحلة لاستكشاف مدينته وتناول الطعام اللذيذ «دعينا نلتقِ وجهًا لوجه» فوافقت تشوي بسذاجة متعارفة بين المراهقين إذ كانت الدعوة جذابة للغاية بالنسبة لها لِذلك قامت بزيارته في يناير من عام ٢٠٠٤م عندما كانت تبلغ الخامسة عشرة من عمرها، ويا له من يوم مشؤوم! فعندما حضرت تشوي إلى المكان الذي اتفق الصبي كيم على لقائها فيه (استدرجها) قام الدنيء بضربها بقضيب حديدي حتى فقدت الوعي ثُمَّ طوقها ونقلها إلى فندق حيث تعرَّضت لاعتداء جنسي وحشي من قِبَل مجموعة من الأولاد يُطلق عليهم اسم "تحالف ميريانغ".
تناوبوا فيما بينهم على اغتصابها ما بين كبار وصغار السن، وصوّروا عملية اغتصابها المهينة برمتها بحضور حبيباتهم الست بهدف تهديدها بنشر ما لديهم عنها إذا أفشت ما حدث لها كما قاموا بابتزازها ماليًا قسرًا ومواصلة السيطرة عليها إذا لم تلتزم بأوامرهم، وخوفًا من نشر اللقطات على الإنترنت أجبروها على الحضور إليهم مجبرة حيث كانت تُنتَهاك في كل مرة بين ١٠ و١٢ مرة خلال أحد عشر شهرًا من عام ٢٠٠٤م.
هددوها بإخبار والديها وفضح أمرها في مدرستها، وبناءً على أوامر الفتية أحضرت أختها الصغرى البالغة الثالثة عشرة وابنة عمها البالغة السادسة عشرة اللتين تعرضتا معها أيضًا...على الاعتداء الجنسي باستخدام أدوات جنسية (يسلون أنفسهم بها) و الجسدي (الضرب المبرح) في منازل مستأجرة شهريًا (نُزل)، وملاعب التنس، وحافلة القرية، وحظيرة الماشية، وغيرها... فلم تتمكن الآنسة تشوي من إخبار أي أحد بما يحدث معها حتى علمت أنهم نشروا مقاطع عنها على الإنترنت عالمياً (وصلت إلى الصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية) فحاولت الانتحار بتناول كمية كبيرة من الحبوب المنومة (أكثر من عشرين حبة) لكن تم إنقاذها في الوقت المناسب، ومن خلال ذلك تم اكتشاف تشوهات جسدية عليها في ديسمبر من عام ٢٠٠٤م، مما أثار استغراب عمتها (أخت والدتها) التي سألتها عن السبب فأخبرتها بكل ما حدث لها، وعندئذٍ قامت العمة بإبلاغ والدة تشوي التي اتصلت بالشرطة طلبًا للمساعدة.
الحقيقة المرة: الأقوال السابقة كانت للشرطة، ولكن الحقيقة أن تشوي قد تعرضت في البداية مع أُختها للاغتصاب بعد أن ذهبتا الاثنتان معًا للقاء الجناة أما ابنة عمها فكانت في الواقع حبيبة أحد الجناة، وتوسلت ابنة عمها لها كي تتساهل مع الجناة. حاولت الأختان الهروب من براثن العصابة لكنهن تعرضن للكم والركل بقوة حتى أخضعن ثم قاموا بتلطيخ وجوههن بالسائل المنوي.
التباس في هوية المُبلّغ: عمة أم خالة؟ للعلم يحدث خلط بين من أبلغ والدتها بالحادثة هل هي أخت أبيها (عمتها من ناحية الأب) أم أخت والدتها (خالتها).
تحالف مدينة ميريانغ: هم مجموعة / منظمة مكونة من طلاب المدارس الثانوية و الإعدادية المحلية في مدينة ميريانغ (من مدارس مختلفة في نفس المدينة) جميعهم قاصرون، ويُعرف عنهم امتلاكهم سجلات إجرامية متنوعة تشمل الاختطاف، الاغتصاب، التنمر، القتل، السرقة، وغيرها من الجرائم.
![]() |
( الجُناة الحُثالة ) |
نبذة عن حياة الضحية قبل حادث الاغتصاب: كانت الضحية (أ) الكبرى بين إخوتها، إذ لديها أخ وأخت أصغر منها، وللأسف عانت منذ نشأتها نفسيًا من عنف أبيها المدمن على الكحول الذي كان يعتدي على والدتها وأطفاله بضربٍ شديد، يُمزق ملابسهم، ويبصق عليهم، ويركلهم بجنون، ويلقي عليهم شتائم فاحشة تحديدًا في البداية كان يمارس عنفه فقط على والدة تشوي إذ كان يسيء معاملتها في فراش الزوجية، ويغتصبها بالقوة مصحوبًا بالضرب. هذا العنف الوحشي أجبر الوالدة على مغادرة المنزل حيث طلبت الطلاق عام ٢٠٠٣م لأنها لم تعد تحتمل تصرفات زوجها الشيطانية عليها، وبعد الطلاق استهدف الأب الطفلة تشوي وجميع أطفاله الآخرين بعنفه، وفي حالة من اليأس حاولت الآنسة تشوي التحرر من هذا الوضع المؤلم، فطلبت المساعدة من زميلتها في المدرسة، لكنها اتصلت بالرقم الخطأ، ووقع ما لا يخطر على البال.
كيف تعاملت الشرطة الكورية الجنوبية مع القضية؟ في السابع من ديسمبر عام ٢٠٠٤ بادئ ذي بدء رفضت الشرطة طلب أسرة الضحية بإرسال ضابطات شرطة إناث للتحدث معها، وبدلاً من ذلك تولى ضباط ذكور التحقيق في قضيتها، ومن هنا بدأ كابوس مرير آخر فخلال عملية التحقيق تعامل الضباط الذكور معها بقسوة شديدة، وأجبروا الضحية على وصف تفاصيل اغتصابها في كل مرة أمام كل مشتبه به حيث كانوا يوقفون المشتبهين في صفوف متتالية لتتعرف عليهم ثم أمروا الضحية بسرد ما حدث بصوت مرتفع أمامهم، وعندما تنتهي من حديثها كانت تتعرض للسخرية من قبل الشرطة و المشتبهين بأسئلة مهينة مثل: «هل أنتِ متأكدة أنه هو؟ كم مرة اغتصبك؟ هل اخترقك بالكامل؟ هل أغويتهم؟» رغم جدية إجاباتها كانوا ينفجرون من الضحك عليها.
بلغت الإساءة حد أن أحد أفراد الشرطة قال لها: «مياه ميريانغ أصبحت ملوثة بسببكن، أيتها العاهرات النّتنات! دمرتِ سمعة ميريانغ! أنتن عار المدينة، والآن تم القبض على جميع الشباب الذين كانوا سيقودون المدينة في المستقبل بفضلكن... أخشى أن تصبح ابنتي مثلكن».
تم استدعاؤها عدة مرات للتحقيق الذي كان يستمر من ٦ إلى ٨ ساعات في كل مرة، و عند خروجها من مركز الشرطة كانت تُلعن من قبل أولياء أمور المشتبه بهم الذين وصفوها بأنها عاهرة وقذرة ووقحة أغوت أبناءهم مهددين بملاحقتها مدى الحياة: «لن نتركك وحدك أبداً! سنرى كيف ستعيشين الآن بعدما دمرتِ حياة أبنائنا!» إضافة إلى ذلك قام ضابط شرطة بفضحها عندما كان في الكاريوكي حيث قال اسم الضحية الحقيقي للمضيفة واصفاً إياها بأنها «أنتِ تبدين مشابهة لها، إنها تبدو مثيرة للاشمئزاز لقد فقدت شهيتي الجنسية» فأبلغت المضيفة عائلة الضحية والإعلام، فقامت الشرطة بتسريب القضية وهويات الضحايا ومعلومات التحقيق إلى الإعلام دون موافقة الأسرة رغم وعدها لهم بالتحقيق سراً (حنثت الشرطة بوعدها ونشرت صوراً ومقاطع تُظهر فيها لحظات اغتصابها).
قالت الضحية: «لم أشعر بالحماية على الإطلاق، بل شعرتُ بخجلٍ عميقٍ وخوفٍ شديدٍ من الانتقام».
صدى الضمير: انتفاضة ضابط الشرطة ضد القسوة لم يستطع أحد ضباط الشرطة المشاركين في التحقيق تحمل ما كانت تشوي تعانيه أمامه لذا أعلن دون الكشف عن هويته لوسائل الإعلام عن السلوك الوحشي الذي اتبعته الشرطة في التحقيق معها وتحت ضغط هائل من الرأي العام تمت معاقبة الضباط الثمانية المسؤولين عن التحقيق، ولكن بعقوبات مخففة، وأُعيدوا إلى مناصبهم في أقل من عام أما بالنسبة للتحقيق، فقد تم ضم ضابطات شرطة لإنهائه بشكل أكثر حساسية ومهنية.
تصورات المجتمع: بعد الحادثة عام ٢٠٠٥م انتشر استطلاع رأي حول القضية أظهر أن ٦٤٪ من سكان ميريانغ أقروا بأن الفتاة هي المسؤولة الرئيسية عن حادثة الاعتداء الجنسي في المدينة، وليس الجناة أي "خطأ الفتاة".
نشر الإعلام أن مياه مدينة ميريانغ أصبحت قذرة بسببها، وأطلق أحد سكان ميريانغ تصريحًا يقول: «لابد أن الفتاة تعاني من مشكلة ما حتى يتصرف الأولاد معها بهذا الشكل، فهي في الأساس باحثة عن المال، تتلقى المال وتستقر على ما تريد» كما قال صحفي: «الفتاة التي نشأت بشكل جيد لن تخرج في الليل بهذا الشكل».
معاناة الضحية المستمرة بين قسوة التحقيق وضغوط العائلة والمجتمع:
أثناء التحقيق المؤقت وقبل بدء المحاكمة حاولت الضحية الانتحار بشكل متكرر؛ فقد حاولت القفز من على مترو الأنفاق وتناول الحبوب، فأدخلتها عائلتها إلى المستشفى في جناح مغلق لمدة شهر خلال هذه المدة زارتها عائلات الجناة مع أبيها الذي تظاهر بشكل تعسفي بسلطته الأبوية، وتحت ضغطه أجبرت على التوقيع على تسوية مقابل أن يدفع الطرف الآخر فقط خمسون مليون وون (مكتوب في العريض) «آمل أن يتم التساهل مع الجناة لأنني لا أريد عقوبة قاسية لهم، وفي الواقع أنا أعرف الجناة، وكنت معجبة بهم... بِكيم» (استغل رغبتها في مغادرة المستشفى ليدفعها إلى توقيع التسوية قبل النظر الرسمي في القضية) ثم تصرف والدها بالأموال بمفرده، فتقاسمها مع أقاربه، بما في ذلك عمة الضحية (أخت الأب) التي قادت إلى الاتفاق.
قالت والدة الضحية: «لقد تقاتلوا فيما بينهم على مال التسوية، وتقاسموه كله دون أن يعطوا الضحية سنتًا واحدًا لتُعالج نفسها».
في يناير عام ٢٠٠٥م غادرت الضحية مع والدتها وشقيقتها الصغرى إلى سيول هربًا من جحيم المنزل، واستقروا هناك ليبدؤوا حياةً طبيعيةً جديدة. نقلوها إلى مدرسة خاصة محلية حيث بدأت جلسات علاج نفسي لكن للأسف، تمكن آباء الجناة من العثور على مدرستها، فتجمعوا أمام فصلها مطالبين إياها بالتوقيع على التماس للإفراج المشروط فلم تجد الضحية سوى الاختباء في الحمام، واضطرت في نهاية المطاف إلى ترك المدرسة والتوقف عن الدراسة تمامًا.
قالت والدة الضحية: «ظل أهالي الجناة يطاردونها ليلًا ونهارًا طالبين أن تكتب اتفاقية الإفراج المشروط فكتبتها الضحية لتبتعد عنهم لأنها كانت حزينة للغاية»، وسرعان ما تلقت العائلة نبأ وفاة والدهم بسبب الإفراط في شرب الخمر، فانتقل شقيقهما الأصغر الذي كان يعيش مع والده للعيش معهم.
قالت الضحية غاضبة: «لقد استخدمني العالم، والعالم لم يحمني». صرح الأب قبل موته: «أنا لست نادمًا على ما فعلته! ماذا يمكنني أن أفعل؟ لقد رأيت الأموال، وما أنا نادم عليه هو قبولي هذه الكمية القليلة منها». أحد عوائل الجناة ركع على ركبته، وقال ابنه الجاني للضحية بعدما فتحت له العمة باب المنزل: «أليس من المؤسف أننا موجودون هنا؟ أنا سأتزوجك لاحقًا لذا من فضلك تنازلي»، وأثناء التحقيق قال محامي أحد الجناة للأخت الصغرى: «إذا كانت لم تتعرض للاعتداء الجنسي لأنها سمينة للغاية؟» ثم ضحكوا جميعًا عليها.
كم عدد المُشتبهين في القضية وما كان الحكم؟ المُشاركون في جريمة الاغتصاب ضد خمسة قاصرات بشكل مباشر بلغ عددهم ٤٤ شخصًا أما بشكل غير مباشر مثل مشاهدة الجريمة وتصويرها، فبلغ عدد المشاركين ٧٥ شخصًا تقريبًا ليصل إجمالي المتورطين إلى ١١٩ شخصًا لكن بسبب ضعف تحقيقات الشرطة تم تقديم ٤٤ شخصًا فقط للتحقيق، وفشلت السلطات في ربط ٧٥ آخرين بالقضية، فلم يتلقَ هؤلاء أي عقوبة.
حددّت المحكمة لائحة المتهمين التي شملت محاكمة ١٠ أشخاص (٧ معتقلين و٤ بدون اعتقال)، وحُكم عليهم بالمراقبة، ونُقل ٢٠ شخصًا إلى قسم الأحداث بينما لم يتم توجيه تهم لـ ١٤ شخصًا، وذلك لأن والد الضحية وافق على أموال التسوية، ولم تُدرج سجلاتهم الجنائية ضمن قائمة الجرائم المتعلقة بجريمة الاغتصاب الجماعي.
بشكل أوضح لم يتلقَ جميع الجناة أي عقوبة قانونية على الإطلاق، فحتى العشرة أشخاص الذين كان من المقرر معاقبتهم تم تخفيف عقوبتهم حيث تم تحويلهم إلى قسم الأحداث، واعتُبروا أنهم ارتكبوا أفعالاً عرضية بسبب الفضول الجنسي وأوضحت المحكمة أنهم شباب صغار دون سوابق جنائية، وأكدت وجود احتمال كبير في صلاحهم وإصلاحهم «هناك احتمال كبير في تحسن سلوكهم وإصلاحهم».
معلومة: بعد حادثة اغتصاب ميريانغ قام رجل من نفس المنطقة باختطاف طالبة من المدرسة الثانوية واعتداء عليها جنسيًا.
![]() |
مِظاهرات شعبية على ضوء الشموع مُطالبين بِإِعادة التحقيق ومُعاقبة المُغتصبين. |
لماذا لم يتلقَ الجُناة عقوبةً جنائية؟ لأن المحققين حمّلوا الضحية مسؤولية ارتكاب الزنا أي علاقة جنسية بالتراضي، وليس جريمة الاغتصاب، ولهذا لم تُحال القضية إلى المحكمة الجنائية.
قد كان دفاع محامي الجناة يُصر على القول: «الضحية مضت طوعًا دون قمع نفسي رغم أنه كان من الممكن إنقاذها لكنها لم تفعل، وهذا يعني أنها ارتكبت الزنا طوعًا».
عدد الضحايا وتجاهل المحكمة: في عام ٢٠٠٣م تعرّضت فتاتان قاصرتان من مدينة تشانغوون للاغتصاب على يد العصابة ذاتها، وذلك قبل الاعتداء على الآنسة تشوي و شقيقتها، ورغم فداحة الجريمة رفضت الفتاتان الإدلاء بشهادتيهما أمام المحكمة مما أدى إلى استبعادهما تمامًا من لائحة الضحايا أثناء المحاكمة.
معلومة صادمة: تفيد شهادات لاحقة بأن عدد الضحايا قد يكون أكثر بكثير مما يتخيله العقل، بل يُقال إنه تجاوز المليون، ولكن لم يجرؤ أحد على الإبلاغ.
ما بعد الكارثة: حياة الضحية تشوي بعد الهروب كشف محامي الآنسة تشوي أن موكلته لم تستطع إكمال دراستها الثانوية إذ اضطرت للتخلي عنها بعد معاناة مريرة من مطاردات الأهالي المستمرة، والإساءة الاجتماعية والنفسية فبعد انسحابها من المدرسة كانت تتردد على مقاهي الإنترنت، وتعمل بدوام جزئي دون وظيفة مستقرة كما بدأت تُفرط في تناول الطعام بسبب التوتر والانهيار النفسي.
محاولة إنصاف من الدولة بعد فوات الأوان: بعد ثلاث سنوات من الحادِث عام ٢٠٠٧م رفعت الشقيقتان ووالدتهما دعوى قضائية ضد الدولة مطالباتٍ بتعويضٍ عن سوء سلوك الشرطة أثناء التحقيق، وكذلك عن إفشاء معلومات حساسة دون إذن قانوني واعتبرت الدعوى أن القانون طُبِّق بشكل جائر يُجرد الضحايا من الكرامة، فأصدرت المحكمة عام ٢٠٠٨م حكمًا بمنح الأسرة تعويضًا حكوميًا بلغت قيمته سبعين مليون وون.
عِشرون عامًا بعد الجريمة: كشفُ الهويّات يُعيد فتح الجراح الآن بعد مرور ٢٠ عامًا على الحادثة (عام ٢٠٢٤ ميلاديًا) أثار حساب على منصة يوتيوب يُدعى norock09 ضجة واسعة بعدما قام بنشر هويّات الجناة أمام العامة متضمنًا معلوماتهم الشخصية، ووضعهم الحالي، ووضع عائلاتهم.
أدى هذا النشر إلى موجةٍ عارمة من غضب الرأي العام، وانقسام حادّ في الآراء حيث رأى البعض أن الكشف عن الهويات يُعدّ تجاوزًا وخطأ قانونيًا وأخلاقيًا بينما اعتبره آخرون شكلاً من أشكال العدالة الشعبية خاصةً أن أياً من الجناة لم يُدان رسميًا بجريمة الاعتداء الجنسي، بل إن البعض عرض دعمًا ماليًا لصاحب القناة تشجيعًا له على الكشف عن المزيد من القضايا.
زعم صاحب الحساب أنه حصل على موافقة مسبقة من الضحية قبل النشر مما دفع الضحية إلى الظهور مؤخرًا في مقابلة دون إظهار وجهها، وبصوتٍ معدَّل حيث صرّحت بأنها لم تُبلَّغ بأي شيء، ولم تمنح أي إذن بالنشر كما أوضحت أن شقيقها هو من أبلغها بوجود المقاطع بعد أن رآها خلال تصفحه لليوتيوب.
قالت الضحية: «لا زلتُ أعيش في جحيمٍ يومي كُلّ مرّة أسترجع فيها هذا الحادث أواجه صعوبة في تجاوز ذلك، ولهذا أطلب منكم التوقف عن كشف معلوماتي الشخصية حتى لا ينتقم الجُناة مني».
مسارات حياة الجُناة بعد الكشف: وظائف مرموقة ومظاهر استقرار عقب الكشف عن هويات الجُناة عبر منصة يوتيوب تبيّن أن كثيرًا منهم كانوا يعيشون حياةً مهنيةً مستقرة، بل ومزدهرة في بعض الحالات، وقد جاءت تفاصيل بعضهم كما يلي:
١) طاهٍ في مطعمٍ مشهور، وقد ظهر سابقًا في البرنامج الكوري الشهير Baek Jong-Won وهو يرتدي قميصًا أبيض واقفًا على الجهة اليسرى من الطاولة.
![]() |
٢) مسؤول مبيعات سيارات في شركة كبرى.
٣) عامل في مؤسسة معروفة.
٤) يدير مطعمًا عائليًا، وهو متزوج ولديه ابنة. كان قد نشر سابقًا على حسابه في "إنستغرام": «سأكون أبًا موثوقًا به، وسأتخلص من كل ما يعترض طريقك».
٥) أصبح شرطيًا.
٦) يدير مطعم شواء، وشارك في العديد من الفعاليات المجتمعية.
إلا أن انكشاف هوياتهم أدى إلى تداعيات كبيرة حيث تم إغلاق بعض أعمالهم التجارية، بينما فُصل البعض الآخر من وظائفهم نتيجة ضغط الرأي العام وحملات المقاطعة والاحتجاجات على مواقع التواصل.
حذف المقاطع واعتذارٌ عن خطأ جسيم: قام صاحب الحساب في ٨ يونيو ٢٠٢٤م بحذف مقاطع الفيديو بعد تصريح الضحية بعدم رغبتها في نشرها كما أنه ارتكب خطأ جسيمًا حين كشف عن هوية خاطئة تعود لامرأة بريئة تُدير صالون تجميل مما عرّضها لهجوم عنيف من الرأي العام وخسارة عملها. لاحقًا اعتذر منها علنًا.
الضحية في مقابلة جديدة (لا فرق بين الأمس واليوم) صرّحت الضحية في مقابلة حديثة أجريت عام ٢٠٢٤م:
«لا يوجد فرق بالنسبة لي بين عام ٢٠٠٤م وما يحدث الآن النمط هو نفسه لا أستطيع العيش دون أدوية حاولت أن أمنع الضوضاء الخارجية من التأثير عليّ لأعيش بهدوءٍ وصمتٍ».
«في كل مرة أغلق فيها باب منزلي الأمامي أتحقق منه عدة مرات حتى قبل أن أنام! لماذا أنا هكذا؟! لم أفعل شيئًا خاطئًا!».
«الأحلام التي كانت لدي وأنا طفلة قد ولّت منذ زمن، واستُبدلت فقط برغبة بسيطة في أن أعيش حياة طبيعية. لا أستطيع حتى أن أتذكر ما كانت عليه تلك الأحلام. أريد فقط أن تتحرر أمي وأخي وأختي الذين عانوا كثيرًا بسببي، من هذا الكابوس» .
«كنت صغيرة جدًا لدرجة أنني لم أكن أفهم ما الذي سيحدث. كنت أعتقد أن شهاداتنا ستكون كافية لمعاقبتهم، وكنت أظن أنهم قد نالوا جزاءهم حتى اكتشفت مؤخرًا أنهم لم يُعاقَبوا أصلًا! ولماذا تقول ملفات القضية إنني لم أدلِ بشهادتي؟! وعندما ذهبتُ للمطالبة بالاطلاع على الملفات تم رفض طلبي بحجة "الخصوصية"، وأُبلغت أن عليّ الحصول على إذن ٤٤ من الجناة كي أحصل على نسخة كاملة من القضية!».