شونزي وتفسيره للطبيعة البشرية: الشرُّ فطري، والخيرُ مكتسب

تُنسب هذه النظرية إلى الحكيم الصيني والباحث شون كوانغ المعروف باسم "شونجي أو شون تشينغ"، ويُشار إليه كذلك بـ شونزي أو السيد شون، وغالبًا ما يُصنَّف بوصفه ثالث أعظم فلاسفة الكونفوشيوسية في العصور القديمة.

 

كان شونزي مفكرًا متشككًا قدّم العديد من النظريات المثيرة للجدل، والتي تميّزت بتضادها أحيانًا مع أفكار كبار فلاسفة الكونفوشيوسية الآخرين، ومن أبرز آرائه: «الطبيعة البشرية شريرة، والخيرُ لا يظهر إلا من خلال الجهد الواعي» .

 

تفسير النظرية: يرى شونزي أن الإنسان شرير بطبيعته، وأن ميله سيكون حتمًا نحو الشر فعندما يرتكب الإنسان فعلًا شريرًا، فإنه لا يفعل شيئًا تعلمه فحسب، بل يُعبّر عن مشاعره الفطرية ورغباته الطبيعية، ويكمن السبب الجوهري في شرور الطبيعة البشرية بحسب رأيه في أن الإنسان يُولد محمّلًا بالرغبات، وإذا لم تُشبَع هذه الرغبات سيجد نفسه حتمًا في صراعٍ لإشباعها بنفسه حتى وإن اضطر إلى انتهاك قواعد المجتمع. هذا الانتهاك بدوره قد يؤدي به في نهاية المطاف إلى أن يصبح مجرمًا.

 

فمثلًا طبيعة الإنسان تجعله يولد مولعًا بالربح، وإذا انغمس في هذا الولع فقد يقوده ذلك إلى خداع الآخرين مما يؤدي إلى الخلافات والفتن في هذه الحالة يضيع شعور النقاء والصواب الذي وُلد به الإنسان.
البشر تحديدًا لا ينتهكون قواعد الأخلاق عمدًا، لأن طبيعتهم في الأساس عمياء أخلاقيًا، ورغباتهم تجعلهم في صراع دائم من كل الجهات، والحلّ لتجاوز هذه الصراعات الداخلية الناتجة عن الرغبات هو التعلم من الحكماء، والثبات، والالتزام بممارسة الطقوس التي تربي النفس وتوازنها.

زونزي استخدم استعارات عديدة ليشرح فكرته، من بينها مقولة الفيلسوف إيمانويل كانط التي تقول: "لا يُمكن صنع شيء مستقيم تمامًا من الخشب المعوج الذي صُنع الإنسان منه."
فهم هذه المقولة يستوجب التأمل: الخشب المستقيم بطبيعته لا يحتاج إلى ضغط أو انحناء ليصبح مستقيمًا، فهو بذلك مُهيأ للثبات والصمود أما الخشب الملتوي فهو ينتظر إطار الضغط والبخار والانحناء ليُصحح انحناءه لأن طبيعته الأصلية ليست مستقيمة، وبالنسبة لزونزي هذا الانحراف (أخشابنا الملتوية) ليس عيبًا نهائيًا بل تحديًا يدعو إلى الجهد والعمل فبالرغم من ميل الطبيعة البشرية نحو الانحراف، فإن الجهد الواعي والتربية الحكيمة قادران على إصلاح هذا الانحراف، وجعل النفس البشرية تستقيم، فتتحول من خشب معوج إلى خشب مستقيم مستعد للحياة السليمة والمجتمع الفاضل.

هل مقولة "الطبيعة البشرية سيئة" تجلب اليأس؟
عندما تدرك أنك تفتقر إلى شيء ما تزداد رغبتك في امتلاكه فإذا كنت قبيحًا سترغب في أن تكون جميلاً، وإذا كنت فقيرًا ستتمنى الغنى، وإذا كانت تجاربك قليلة ستسعى لتكثيرها. نحن البشر عندما نعي عيوبنا نصبح قادرين على البحث عن حلول لذا هذه المقولة ليست محملة باليأس بل على العكس هي إيجابية تدعوك للعمل والتغيير، فأنت وحدك القادر على إعادة تشكيل انحرافك أي "خشبك الملتوي" بغرس الخير في معاملتك مع الآخرين.

زونزي لا يلقي اللوم أو يحكم باليأس، بل يشير إلى أن الخير والنقاء ليسا وراثة طبيعية، بل ثمرة جهد واعٍ مُستمر وممارسة للأخلاق هكذا تصبح المقولة في واقعنا دعوة للحياة لا للانهيار، فرصة لإعادة تشكيل "الخشب" الذاتي إلى أفضل صورة ممكنة لأننا نحن البستانيون والنجارون لنفسنا.


معلومة: الكونفوشيوسية تُعدُّ أساسًا للكثير من الثقافة الصينية إذ تعود أصولها لأكثر من ألفين وخمسمائة عام، وتعتبر واحدة من أكثر الفلسفات الدينية تأثيرًا في تاريخ الصين حيث يراها البعض دينًا، ويعتبرها آخرون نظامًا علمانيًا عقائديًا بينما يراها فريق ثالث رمزًا إنسانيًا.
ترجع نشأتها إلى الفيلسوف كونفوشيوس الذي ظهر في القرن السادس قبل الميلاد، ودعا إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية التي ورثها الصينيون عن أجدادهم مضيفًا إليها جانبًا فلسفيًا وأخلاقيًا يتمحور حول عبادة الأسلاف والفضائل الإنسانية بهدف تحقيق حياة سلمية، وبعد وفاته جمع العديد من تلاميذه حكمته وواصلوا مسيرته، ومن أشهرهم مينسيوس وشونزي اللذان ساهمَا في تطوير فكر الكونفوشيوسية بشكل أعمق وأشمل.

📝بِقلمي. 

زُمردة

تعطُّشي لِلمعرِفةِ جعلنِي مُحِبة لِتَفسِيرِ ما أقرأُ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الإِتّصال