الأحجار الكريمة ليست مُجرد معادن ثمينة نادرة تُستخدم في صِناعة المجوهرات، بل هي جزء لا يتجزأ من ثقافات الشعوب عبر العصور ومُتجذرة بِعُمق في التاريخ. لِكُل حجر كريم قصته الخاصة، وفي هذهِ المقالة سنكتشف حجر بحر اللهب و الأساطير التي تُحيط بِه.
ما هي الأسطورة القديمة حول لعنة حجر بحر اللهب؟
يُحكى مُنذُ قرونًا مضت أن أميرًا شابًا بينما كان يسير على ضِفاف نهرًا جاف لفت نظره حجر أزرق لامع يشرقُ بِجمالًا فريد. لم يتردد في اِقتلاعه من مكانه ثُمَّ شرع في العودة إلى قصره، ولكِن مجموعة من اللصوص اِعترضوا طريقه بِدايةً طعنوه عدة طعنات قاتِلة في قلبه ثُمَّ سرقوا منه كُل شيء ثمين مِن حصان وخواتم، إِلا الحجر الأزرق الذي لم يُلاحظوا أن الأمير كان يقبضهُ بِقوةً بين يديه.
لِحُسن الحظ إِستطاع الأمير المُحتضر الزحف إلى قصره سابِحًا في دِمائه رُغم الجِراح البليغة التي أصابتهُ، وهُناك أُغشي عليه لِمُدة عشرة أيام (غاب عن الوعي) حتى إِستفاق في اليوم العاشر وفتح يديه ليجد الحجر لا يزال بِحوزتهُ مِما أثار دهشة المُمرضين الذين كانوا يعتنون به، قال الأطباء بين بعضِهِم «إِن ما حدث كان مُعجزة إذ لا يُعقل أن ينجو من جرح بِهذا العُمق، لا بد أن الحجر يحمل قوى غامِضة في داخله! رُبما قوى شفائية خارِقة!!» أما صاغة السُّلطان كان لهُم وجهة نظرًا أُخرى إِذ إِعتبروا أن هذا ليس مُجرد حجر عادي، بل هو أكبر ألماسة رآها البشر على الإطلاق.
عمل أكثر الحجارين والحرفيين موهبة بينهم لِمُدة ثمانية عشر يومًا في صقل الحجر حتى أصبح يتلألأ بِألوان البحر الإِستوائي الأزرق البراق، وفي مركزه إِحتواء على وهج من اللون الأحمر (وميض من اللون الأحمر) كأنه لهب مُشتعل داخل نُقطة ماء زرقاء، وبعد أن إِنتهوا من عملِهِم صنع السُلطان تاجاً للأمير وزيّنهُُ بِتلك الألماسة، وعندما جلس الأمير الشاب على عرشه تحت أشعة الشمس أصبح يتألق لِدرجه أن الزوار لم يتمكنوا من التفريق بينه وبين النور ذاته.
عُرف الحجر بين الأرجاء بِاِسم "بحر اللهب". آمن البعض أن الأمير قد أصبح إلهًا، وأنهُ طالما احتفظ بِالحجر، فإنهُ لن يموت أبدًا لكن شيئًا غريبًا بدأ يحدثُ، فكُلما ارتدى الأمير التاج تزايدت المصائب في حياته، ففي غضون شهر واحد فقد أخاهُ غرقًا، والثاني بِلدغة أفعى، وبعد ستة أشهُر توفي والده إثر مرض مُفاجئ.
مع تزايد الأحداث السيئة أعلن جواسيس السُلطان عن تجمُع جيش ضخم في الشرق، لِذلك دعا الأمير مُستشاري والده إلى إِجتماعًا طارئ. قال مستشارو السُلطان جميعهُم لهُ إنهُ يجب أن يستعد للحرب بِاِستثناء واحد منهم، وهو كاهن حكيم الذي قال إنهُ رأى حُلمًا أثار قلقه فطلب الأمير منهُ أن يُخبرهُ بِه فقال الكاهن: «قالت لي آلهة الأرض في الحلم إنها صنعت حجر بحر اللهب هديةً لِحبيبها إله البحر وإنها كانت تُرسل الجواهر عبر النهر لكن عِندما جف النهر وقام الأمير بإِقتلاع الحجر غضبت الآلهة ولعنت الحجر وكل من يملكهُ بِإن من يمتلكهُ سيعيش إلى الأبد، ولكن المصائب ستتوالى على من يُحبهم واحداً تلو الآخر دون توقف، وكلما تمسك بِالحجر زادت المحن التي تصيبهُ ومن حوله لكن إِذا رمى المالك الألماسة في البحر مُرسلًا إِياها إلى صاحب الحق بِها، سوف تُرفع الآلهة اللعنة».
عِندما سمع الأمير تلك الكلمات إِعتقد أن الحجر هو سر قوته، وأنهُ لا شيء يُمكن أن يقتلهُ طالما إِحتفظ بِه فما كان منهُ إلا أنهُ أمر بِقطع لسان الكاهن كي يُسكته عن قوله.
بعد فترةً قصيرة أتى الغُزاة ودمّروا القصر بِأسره، وقتلوا كُل من واجهوه من حُراس وأفراد أما الأمير فقد اختفى، ولم يُسمع لهُ ذكر طوال مئتي سنة، وعلى الرغم من ذلك تعددت الأقاويل حول مصير حجر "بحر اللهب"، فقد قال البعضُ إن الحجر قد تفتت إلى عدة قطع صغيرة تفرقت في أنحاء العالم بينما تحدث آخرون عن أن الأمير لا يزال حيًا يحمل الحجر في مكان بعيد رُبما في اليابان أو بِلاد فارس، والبعض ذهب أبعد من ذلك وقال إنهُ أصبح مُزارعاً فقيرًا، وقد مرّت عليه سنوات طوال دون أن يظهر عليه أثر الشيخوخة.
وبينما اختفى الحجر من الذاكرة البشرية في أحد الأيام عُرضت ماسة ضخمة على تاجر ألماس فرنسي كان في رحلة إلى المناجم الهندية. كانت الألماسة على شكل إجاصة تزنُ مئة وثلاثةً وثلاثين قيراطًا ذات نقاء فائق لا يُضاهيه شيء، فقام التاجر بِإِرسال وصف و صورةً للحجر إلى دوق مهووس بالجواهر مُحذرًا إِياه من الشائعات عن اللعنة التي تُحيط بِالحجر لكن الدوق لم يُبالي (لم يُصدق) وطلب بِأن يُحضرها له (اِقتناها)، لِذلك جلبها التاجر له فقام الدوق بِوضعِها في نهاية عصا المشي و حملها أينما ذهب.
خلال شهر بدأت معه أيضًا سلسلة من الحوادث الغريبة، فقد أصيبت الدوقة بمرض غريب في حُنجرتها، وسقط اثنان من خدمها الُمفضلين من السطح وتكسرت عُنقيهِما أما ابن الدوق الوحيد، فقد توفي في حادث مروع أثناء ركوبه حصانه، ورغم ذلك بدا الدوق نفسه في أفضل حالاته الصحية، ولم يظهر عليه شيء من التعب أو المرض، بل ازدادت قوته وفتوته.
مع مرور الوقت بدأ الدوق يزداد خوفًا وأصبح يتهرب من الخروج أو استقبال الضيوف كأنما كان يخشى أن يجلب عليهم سوء الحظ.
وفي النهاية أصبح على يقين تام بأن الألماسة التي اشتراها لم تُكُن سوى "بحر اللهب الملعون" (الجوهرة الملعونة التي أهلكت كُل من اقتناها) وحين لم يعُد يحتمل ركع أمام الملك طالِبًا إياه أن يخفي الحجر داخل قبو عميق بعيدًا عن الأيدي الطامِعة في متحف القصر بِشرط أن يُغلق عليها بِإحكام، وألا يُفتح القبو إلا بعد مئتي عام.
ومِن الأسطورة السابِقة نعلم أن لعنة حجر بحر اللهب هي أنهُ يمنح الحياة الأبدية لِمالِكها، بِالمُقابل يُسبب موت جميع أحبائهُ.
قد يعيش مالك هذا الحجر إلى الأبد لكن طالما هو يحتفظ به فسوف تنهالُ المصائب / تحل الويلات على جميع الذين يحبهم واحدًا تلو الآخر (مطرًا لا نهاية له) / سيتساقطون بشكل لا ينتهي.
أبعاد هذه اللعنة:
١) الحياة الأبدية ستصبح عقوبة، فكُلما طال الزمن تتفاقم مشاعر الملل والإِنعزال والوحدة.
٢) سيصاب مالِكها بِحالةً من العذاب النفسي (تآكُل داخلي) بعد رؤية أحِبائه يموتون تدريجيًا أمام عينيه (يُصبح مغلقًا عاطفيًا خوفًا من أن يعاني من نفس المصير مجددًا)..
كيف يبدو حجر بحر اللهب / بحر النيران؟ إنه بحجم بيضة حمام، لونه أزرق كالبحر، فيه وهج أحمر ينبعث من المركز مثل اللهب داخل قطرة الماء.
ما هو أصل أسطورة حجر بحر اللهب؟ ذُكرت أسطورة حجر بحر اللهب في كتاب يُدعى "كل الضوء الذي لا يمكننا / نستطيع رؤيته" للمؤلف الأمريكي أنتوني دوير، ووِفقًا لتصريح المؤلف فإن أسطورة حجر بحر اللهب لقد استلهمها مِن جوهرةً حقيقية لها تاريخ مضطرب تُعرف باسم "ياقوتة دلهي الأرجوانية" أو بِبساطة بِ "الجمشت الملعون" المحفوظة في المتحف الوطني البريطاني للتاريخ الطبيعي.
ما هي أسطورة ياقوتة دلهي الأرجوانية؟
يُحكى أن في عام ١٨٥٧م أثناء التمرُد السيبوي (تمرُد الهنود ضِد الاِستعمار البريطاني) قام ضابط بريطاني يُدعى الكولونيل دبليو فيريس قبل مغادرته الهند بسرقة / نهب ياقوتة دلهي (حجر الجمشت) من معبد إله السماء اندرا (ملك الملوك في الهندوسية) في كاونبور بمدينة دلهي من الهند.
بمجرد عودة الضابط إلى إنجلترا وهو بحوزته ياقوتة دلهي سُرعان ما تجلت الطبيعة الشريرة للحجر عليه بِدايةً بدأ في المُعاناة مِن سلسلةً مِن المصائب الماليه التي أدت لِإِفلاسه (فقد كُل ثروته)، ومع ذلك إِعتقد فيريس أن ذلك يرجع لِسوء تقديره للاستثمارت وليس بسبب ياقوتة دلهي.
وبعد فترةً وجيزة عانى كل فرد من أفراد أُسرته من سلسلةً من الأمراض المُنِهكة والحدواث الغريبة وسوء الحظ و المصائب لِذلك ظن أن الحجر هو السبب، وللأسف لم يكتفي الأمر فقط على عائلته، بل هو بِنفسه عانى معهُم بِمشاكل صحية أدت لِوفاته (تدهورت صحته بِسُرعة)، وبعد وفاة فيريس ورث اِبنهُ الحجر فواجه نفس مصير والده (اللعنة التي أصابت والده) لِذلك سارع في تسليم الياقوتة الملعونة لِصديق له على أمل أن يرفع هذا عنه المصائب المحتومة، وبعد وقت قصير من امتلاكه للألماسة انتحر صديقه بدون سبب واضح، وفي وصيته كتب أن الألماسة يجب أن تعود إلى الابن، فواجه الابن مصيره مُجددًا.
بعد ذلك يُقال إن الألماسة وصلت إلى يد عالم جيولوجي بريطاني لا يُعرف تحديدًا من هو (لم يُذكر اسمه) الذي احتفظ بها لبعض الوقت، وفي حوالي ١٨٥٧م وصلت إلى يد العالم إدوارد هيرون ألين الذي رُبما حصل عليها عن طريق اقتنائها بسبب اهتمامه بالأحجار الكريمة النادرة، أو رُبما حصل عليها كهدية، وبكلتا الحالتين لم يكُن في البداية يعلم أنها جوهرة ملعونة.
مع مرور الوقت بدأ إدوارد هيرون-ألين يواجه حوادث غريبة بعد امتلاكه لها، فشك بالأمر (لاحظ أنه أينما ذهب الجمشت كان يتبعه سوء الحظ) ولِكي يتأكد من مخاوفه أعار الجوهرة لصديقه مُغني الأوبرا، ولكن سرعان ما أعادها إليه بعد أن فقد صوته فجأة ولم يعد يُغني أبدًا فتأكد هيرون ألين من شكوكه ناحية الجوهرة، وعلى الفور رجعت الحوادث إليه ولِكي يحيّد اللعنة حاول وضع الحجر في خاتم فضي ظنًا منه أنها ستُهدأ اللعنة، ولِكن بِلا فائدة فحاول إلقاءه في قناة ريجنتس المائية في محاولةً للتخلُص منه، ولكن بعد بضعة أشهُر تم استخراج الخاتم من القناة المائية ثُم نُقل إلى صائغ محلي، ومن المُثير للاهتمام أن الصائغ تعرف على مالك الحجر على الفور كونه قد سبق له أن وضعه في خاتم لهيرون ألين وفقًا لما طلب لذلك أعاد الخاتم لهيرون ألين مُعتقدًا أنهُ يقوم بِمعروف له، وبغض النظر عن الجهود التي بذلها هيرون ألين للتخلص منه كبيعها إلا أن الجوهرة سرعان ما عادت إلى يديه بِأغرب الطُرق.
في حالة من الغضب قام هيرون ألين بتعبئة / حفظ الجمشت ضمن سبعة صناديق مُقفلة مليئةً بِتعويذات الحظ السعيد ثُم أودعها في خزانة بنكه مع تعليمات للمصرفي بعدم فتحه إلا بعد ٣٣ عامًا من وفاته.
وفي عام ١٩٤٣م توفي هيرون ألين، وفي ١٩٤٤م بعد أقل من عام من وفاته أعطت ابنة هيرون ألين الصندوق بما فيه مع التحذير منه إلى متحف التاريخ الطبيعي في لندن الذي قبله (قرر الاحتفاظ به) في أحد الإدراج بِالمتحف.
وفي عام ١٩٧٢م فتح أمين المتحف بيتر تاندي الصندوق ووجد بداخله الجوهرة ورسالة غريبة مرفقه بها التي تحكي تفاصيل البؤس الذي عانى منه ضحاياها (المرتبطة بالحجر).
رسالة هيرون آلن (قبل أن يتم فتحها يجب أن تقرأ هذا التحذير) : لقد حصلتُ على هذا الحجر في عام ١٨٥٧م كنتُ حينها في بداية مرحلة من حياتي مليئة بالأمل والتفاؤل كنتُ متحمسًا لما قد يجلبه لي هذا الحجر الثمين من شهرة ومال لكنني لم أكُن أعرف حينها أنني أدخلتُ لعنة في حياتي. في البداية كان الحجر يُثير إعجابي، كُنت أراه مجرد قطعة من الياقوت النادر لم أكُن أعتقد أنه يحمل شيئًا آخر سوى الجمال و الثراء لكن بعد فترة بدأتُ ألاحظ التغيرات الغريبة تدهورت حالتي الصحية بشكل مفاجئ، وبدأت الأحداث المأساوية تتوالى خسرتُ أصدقاء عزيزين، وتعرضتُ لخسائر مالية كبيرة حتى عائلتي ابتعدت عني بدأتُ أشعر أن شيئًا شريرًا يُلاحقني بسبب هذا الحجر حاولتُ مِرارًا التخلص منه لكن لم أتمكن. كانت كُل محاولةً تبوء بالفشل، وكان هُناك دائمًا شيء يربطني بِه أصبحت حياتي مظلمة، وأصبحتُ أرى أشباحًا في كُل زاوية كأن اللعنة كانت تُلاحقني في كُل خطوة لقد جربتُ أن أترك الحجر في مكان بعيد لكن مهما فعلت كان يعود إلي، وعندما وصلتُ إلى نهاية الطريق وجدتُ أن أفضل شيء يُمكنني فعله هو تحذير الآخرين من هذا الحجر. يجب أن لا يقترب منه أحد، ويجب أن لا يكون في يد أي شخص آخر. من سيمتلك هذا الحجر سيلقى مصيرًا مؤلمًا وسوء حظ مستمر، وستلاحقه المآسي وستسوء حياته وسيتعرض للمخاطر والموت، هذا الحجر ليس مجرد حجر ثمين بل هو حجر ملعون ومُلطخ بالدماء. إِن من يعتقد أنه قادر على امتلاكه دون أن يُعاني سيكتشف لاحقًا الثمن الفادح له سيكون أكبر بكثير مما تتصور! هذا الحجر يمتلك قوة تدميرية لا يُمكن التنبؤ بِها، لا تظن أبدًا أن هذه مجرد خرافة فقد شهدتُ الكثير من الأرواح التي دُمرت بسبب هذا الحجر إذا فتحته افعل به ما تشاء، ولكن نصيحتي الوحيدة هي أن تُلقيه في البحر لتختفي لعنة هذا الحجر إلى الأبد (لتغسل يديك من شره)..