مُتلازمة سالييري: حين يتحوّل الإعجاب إلى حسدٍ قاتل

خلف ستار الاحترام الظاهري قد يختبئ حقد دفين يُعرف ب "متلازمة سالييري" حين يتحوّل الإعجاب بموهبة الآخرين إلى نارٍ من الغيرة والتدمير الصامت، وفي هذه المقالة سنكتشف خفايا هذه المتلازمة وأثرها في النفس والعلاقات.

المشهد الأول: الستار يُرفع اسمٌ في التاريخ

سُميّت هذه المتلازمة باسمٍ قديمٍ لا يزال يتردّد صداه في أروقة الموسيقى الكلاسيكية "أنطونيو سالييري"، رجلٌ حقيقي، موسيقيٌ إيطالي عاش في القرن الثامن عشر تحوّلت حياته إلى دراما سينمائية في فيلم "أماديوس" عام ١٩٨٤م المأخوذ عن مسرحية صدرت عام ١٩٧٩م.

المشهد الثاني: العبقرية الملعونة

في حكايةٍ تتداخل فيها عبقرية المجد مع مرارة الحسد، والموهبة مع الخذلان يقف "أنطونيو سالييري" الملحن الإيطالي حائرًا أمام عبقرية "فولفغانغ أماديوس موتسارت" الفذة. كان يرى في موتسارت تجسيدًا لنعمةٍ لم تُمنح له نعمة لا تُطاق، بل وُهبت في نظره، لرجل بذيء السلوك وطائش لا يستحقها، ومع كل نغمة يبدعها موتسارت يزداد سالييري غرقًا في مرارة المقارنة حتى يتحول إعجابه إلى غيرةٍ وغيظه إلى تضرّع غاضب لله: لِمَ يُوهَب البذيء ما حُرِم منه المتقن؟ ومع تصاعد اليأس تتسلل إليه أفكار الانتقام لا من موتسارت وحده، بل من الحياة نفسها.

المشهد الثالث: صديقٌ أم عدو؟  سالييري ذو الوجهين

لعب سالييري لعبة شيطانية بوجهين: صديقٌ ظاهريًا، ومعاونٌ في العلن… لكنه في الخفاء كان يُتقن تفكيك أحلام موتسارت لبنة لبنة يضع العراقيل، يحفر الحفر، ويبتسم وهو يرى العبقري يتهاوى. لم يكن سالييري يكره موتسارت فقط… بل كان يكره الله الذي منحه تلك الموهبة. 

المشهد الرابع: ولادة متلازمة الحسد المقنّع

من هذه القصة الدرامية خرج لنا مصطلح "متلازمة سالييري" ليصف حالة نفسية لا تصيب ضعيف الموهبة، بل من يملكها… ولكن يبهت نورُه أمام سطوع عبقري آخ، فيُصبح حاسدًا متقمّصًا: صديقك، زميلك، مُعجبك، أو حتى قريبك. هو لا يكرهك مباشرة، بل يكره إشراقك الذي يفضح ظله. يتظاهر بالاهتمام… بينما هو يحفر لقلبك حفرةً من الشك والخذلان والانطفاء. هؤلاء خبثاء مهندسو الخراب محترفو التدمير الصامت الذين لا تدركهم.


المشهد الخامس: الجريمة والشك من قتل موتسارت؟

ظل هذا السؤال لغزًا لأكثر من مائتي عام حتى تم قبوله في النهاية كحقيقة بعد أن اتهم سالييري نفسه بقتل موتسارت في عام ١٨٣٣م عندما دخل مستشفى الأمراض العقلية قال حينها في نوبة هلع كاعتراف نهائي: «أنا من سممته»، ومع ذلك لا يوجد أي دليل يدعم مزاعمه تلك إذ تشير الأدلة الحديثة إلى أن موتسارت أصيب بعدوى بكتيرية أثناء سفره، لذلك لم يكن سالييري هو من قتل موتسارت، بل إن كراهيته الشديدة هي التي دفعته للاعتقاد بذلك. ربما قتله في ذهنه آلاف المرات، وربما قتله في ذاته وهو يراه حيًّا متوهجًا في عبقريته التي يعجز عن بلوغها.

المشهد السادس: الحكمة الختامية علاج المتلازمة

ما الحل إذن؟ كيف نُشفى من هذا السُمّ البطيء؟  تأملوا هذه المقولة: «لا يزيد طول المرء بقطع رؤوس الآخرين» لا أحد يكبر بقلع أجنحة من يُحلّق، لا أحد يلمع بإطفاء نور غيره.
ازرع موهبتك، اسقها، أَحبّها، وتذكر: أن ترى من هو أفضل منك لا يعني أنك بلا قيمة، بل يعني أن السماء واسعة تتّسع للجميع.

📝بِقلمي «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللّٰهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».

زُمردة

تعطُّشي لِلمعرِفةِ جعلنِي مُحِبة لِتَفسِيرِ ما أقرأُ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الإِتّصال