لماذا يعشق الصينيون الأحمر؟

اللون الأحمر في الثقافة الصينية ليس مجرد لون، بل هو رمز يحمل في طياته تاريخًا طويلًا من الأساطير والمعاني العميقة، وفي هذه المقالة سنغوص في أسرار هذا اللون ونستعرض ارتباطه بالفرح والحماية.

 

اللون الأحمر وعناصر الكون الخمسة:

يُعتقد في الصين أن كل شيء في الطبيعة تطوّر من العناصر الأساسية الخمسة وهي: الماء، النار، الخشب، المعادن، والأرض، وكل واحدة من هذه العناصر تمثل لونًا لها معنى خاص فالنار ذات اللون الأحمر ترمز إلى الشمس الحارقة.
يعتقد الصينيون أن الشمس رمز الفضيلة (تمنح الحياة والدفء) فعندما تشرق فإنها تعيد مع إشراقها الحياة إلى كل شيء (تضيء الكون) على العكس القمر الذي يرمز للعقاب حيث يُظلم الكون عند غروبه لذا ارتبط اللون الأحمر بالحيوية والتجدد والعاطفة والسعادة والبهجة.

 أسباب ارتباط الأحمر بالاحتفالات:

١) ابن الإمبراطور الأحمر: يُعتقد أن أول إمبراطور ومؤسس أسرة هان كان يُلقب بـ"ابن الإمبراطور الأحمر"، ومنذ ذلك الحين ارتبط اللون الأحمر بالإمتياز والسلطة (استمرت فترة حكمه من ٢٠٢ إلى ١٩٥ قبل الميلاد).

٢) أسطورة الوحش "نيان شو": يُحكى أنه في العصور الماضية كان هناك وحش أسطوري ضخم وشرس يُسمى "نيان" يتميز برأس أسد وجسد كلب، وعيون جاحظة، وقرون وأنياب حادة تخرج من فمه. كان هذا الوحش يستخدم أنيابه لمهاجمة فريسته المفضلة، وهي الأطفال إذ كان يتعطش لدمائهم ويجد لحمهم لذيذًا.

* في إصدار آخر وُصف "نيان" بأنه يمتلك رأسين مرعبين، وأربعة آذان، وثمانية أرجل مما يضيف إلى صورته كوحش أسطوري شديد الرعب.

أين يعيش الوحش نيان: تختلف الأقوال حول موطن "نيان" فبعضها يقول إنه يختبئ في أعالي الجبال العميقة بين الغابات الكثيفة بينما يُقال أيضًا إنه يسكن في الكهوف أو في أعماق البحار.

ما هي أسطورة الوحش "نيان"؟
يُقال إن وحش "نيان" ينعزل لفترة طويلة نائمًا في مخبأه ثم يخرج مرة واحدة كل عام في منتصف ليلة رأس السنة الجديدة عند نهاية السنة القمرية يكون جائعًا جدًا لأنه لا يستطيع العثور على طعام بسبب البرد القارص، وعندما يخرج بحثًا عن فرائسه يُدمر كل ما يصادفه مهاجمًا القرويين والأطفال والمحاصيل والماشية، وبسبب هذا اعتاد الناس على الأكل مبكرًا، وإغلاق مزارعهم ثم الهروب إلى الجبال النائية لتجنب هجوم "نيان" (لتجنب أن يُؤكلوا من قبله) حتى أصبحوا يطلقون على هذا اليوم "يوم تجنب نيان".

 

وبعد أعوام في إحدى ليالي عشية العام الجديد وصل إلى قرية زهرة الخوخ متسول غريب ذو شعر فضي وعينين لامعتين يرتدي ملابس ممزقة ويعتمد على عصا للمشي، وبما أن القرويين كانوا في حالة ذعر شديد قبيل حلول الظلام لم يهتموا بالزائر الجديد، فقاموا بإغلاق ممتلكاتهم وركضوا إلى مخابئهم، وفي هذه الأثناء التقت سيدة عجوز بالزائر وقدمت له بعض الطعام، فسألها عن سبب مغادرتهم قريتهم. أخبرته عن الوحش نيان ونصحته أن يغير طريقه ويختبئ في الجبال ليجنب نفسه هجوم الوحش، ومع ذلك بدلًا من أن يخاف ظل المتسول هادئًا، ولمس شاربه ببطء كما لو كان يفكر ثم أقنعها أن تعطيه مفتاح منزلها للبقاء فيه (وعدها أنه سيطرد الوحش المفترس بعيدًا عن منزلها). غادرت السيدة متجهة إلى الجبال لوحدها، ولم تكن مقتنعة بوعده.

وفي منتصف الليل اقتحم الوحش نيان القرية كعادته في نهاية كل عام، ولكنه شعر بتغيير طفيف في الجو حيث كان منزل السيدة العجوز مضاءً. اقترب منه ببطء، ووجد أن جميع الأبواب والنوافذ مغطاة بأوراق حمراء بينما كانت الشموع تضيء داخل المنزل، فارتجف وصرخ غاضبًا ثم انقض على الباب الأمامي، وفجأة ارتفع صوت صاخب مزعج لطقطقة مفرقعات نارية ساطعة في الفناء، فامتنع الوحش عن التحرك حينها فتح الرجل المتسول الباب بلمح البصر، وهو مرتدٍ ثوبًا أحمر ويضحك بقوة، فجنَّ الوحش نيان خوفًا وفرَّ مُرتعدًا إلى مخبئه.

وفي اليوم التالي عاد القرويون إلى قريتهم فوجدوا أن منازلهم ومواشيهم سليمة. أخبرتهم السيدة العجوز بوعد المتسول، وأدركوا أن المتسول كان كائنًا سماويًا يُدعى "هونغجون" جاء لمساعدتهم باستخدام الأسلحة السرية الثلاثة وهي: الأشياء ذات اللون الأحمر، الأضواء الساطعة، والمفرقعات النارية (الأصوات الصاخبة).

 

أحيانًا يُذكر في الإصدار البديل: عندما عاد القرويون إلى قريتهم وجدوا أن جميع بيوتهم قد دُمرت ما عدا بيت السيدة العجوز، فتوافدوا إلى منزلها ليكتشفوا الأوراق الحمراء والخيزران المحترق في الفناء ثم أخبرتهم السيدة العجوز بوعد المتسول، فقرروا اتباع ما فعله لتحقيق النجاة.

منذ ذلك العام تغيرت الأمور في القرية بشكل جذري فقد تمكن السكان من اكتشاف نقاط ضعف الوحش نيان، وبفضل ذلك بدأوا في اعتماد تقاليد جديدة في رأس السنة الجديدة مثل ارتداء الملابس الحمراء، ووضع الملصقات الحمراء، وإشعال الشموع والمفرقعات، وحرق الخيزران. هذه العادات أصبحت وسيلة لتجنب الهجوم ولبث الأمل في عام خالٍ من الكوارث كما أصبح الجبل الذي شهد الأحداث يسمى "جبل هونغجون" تيمُّنًا بالكائن السماوي الذي ساعدهم.


وهكذا تمسك الصينيون بتقليد إطلاق الألعاب النارية في ليلة رأس السنة الجديدة الذي يُعتبر "يوم عيد الربيع" أو "يوم النجاة من نيان". أصبح هذا الاحتفال جزءًا أساسيًا من الثقافة الصينية، وهو يُعد أكبر مهرجان في البلاد. كل عام يُحيون ذكرى الانتصار على الوحش نيان من خلال رقصة الأسد التي يؤديها شخصان في احتفالات حيوية، لتجديد الأمل والاحتفال بالحياة بعد هزيمة الشر.

 

 

 

بماذا يُستخدم اللون الأحمر في الثقافة الصينية؟ اللون الأحمر في الثقافة الصينية يُعتبر اللون المفضل والرمزي لديهم حيث يُرمز إلى النجاح والحظ السعيد والفرح والإزدهار وبِاعتباره كذلك يُستخدم بشكل شائع في العديد من المناسبات الهامة مثل: 

١) في حفلات الزفاف يحتل اللون الأحمر كافة عناصر المأدبة مثل رداء العريس، فستان العروس من الحرير الأحمر، الحجاب، الحذاء، لحاف السرير، الوسائد، الفوانيس، الشموع، الستائر، وغيرها... كما يُستخدم في الحفلات بعد الزواج مثل تلك المتعلقة بالمولود حيث يرمز للفرح والسرور وجلب الحظ، وبسبب رمزيته للسعادة يُمنع ارتداء اللون الأحمر في المناسبات الحزينة مثل الجنازات.

 

 

 

٢) في المهرجانات التقليدية مثل رأس السنة الصينية يُعتبر اللون الأحمر وسيلة لدرء الأرواح الشريرة وجميع أنواع الحظ السيء، ولذلك غالبًا ما يُقدم كبار السن للأطفال "ظروف حمراء" (المعروفة بالمال المحظوظ) المملوءة بالمال كهدية باعتبارها تجلب لهم الحظ السعيد، الثروة، والحماية.

٣) قديمًا كانت منازل كبار المسؤولين والعائلة المالكة مطلية باللون الأحمر لأنه كان يرمز إلى الثروة، القوة، والامتياز الذي يمتلكونه. اليوم يُستخدم اللون الأحمر في طلاء جدران المدن والمنازل، وفي العلامات التجارية والإعلانات والشعارات والأختام العامة حتى في سوق الأسهم الصينية تُميز الأسهم ذات الأداء الجيد باللون الأحمر كما يُزين العلم الوطني للصين باللون الأحمر.

 

٤) استخدم اللون الأحمر أيضًا في السياسة رمزًا للثورة والتحرير عندما تأسست جمهورية الصين الشعبية في عام ١٩٤٩م، فكانت المنطقة التي يسيطر عليها الشيوعيون تُسمى بالصين الحمراء.

٥) يُطلق على اللون الأحمر لون الجمال لذلك غالبًا ما يتزين الناس باللون الأحمر. 

معلومة مثيرة: في العصور القديمة بعد نهاية عهد أسرة تشينغ كان يُمنع على النساء ارتداء التنانير الحمراء إلا في إطار العلاقة الزوجية، وكانت الأرامل والمحظيات ممنوعات من ارتدائها حتى لو أصبح ابنهن مسؤولًا رفيعًا، ومع مرور الوقت تم إلغاء هذا المنع، وأصبح بإمكان النساء ارتداء الألوان التي يفضلنها بحرية.

 

📝 بِقلمي (اللَّهُمَّ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ).

زُمردة

تعطُّشي لِلمعرِفةِ جعلنِي مُحِبة لِتَفسِيرِ ما أقرأُ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الإِتّصال