قصة الثعلب والنمر: عندما يتفوق الذكاء على القوة

هذه مقولة صينية قديمة وردت في العديد من الوثائق الصينية، ومن بين أبرز وأشهر المصادر التي نقلت معناها بدقة كان كتاب "سياسة الدول المتحاربة" للكاتب تشو سيي، ونظرًا لما تحمله هذه المقولة من عبرة أخلاقية مهمة، فإنها تُروى عبر الأجيال في مختلف أنحاء الصين متوارثة بين المدارس والمجتمعات، فما هي قصة الثعلب الذي يستخدم قوة النمر؟ وكيف وردت في كتاب سياسة الدول المتحاربة؟

يُحكى أنه في أحد أيام الصيف المشمسة خرج نمر جائع من جُحره ليتجول في الغابة بحثًا عن الطعام ليمليء معدته، وبينما كان يسير رأى بشكل غير متوقع ثعلبًا سيئ الحظ يشرب الماء عند النهر، فسارع النمر بالانقضاض عليه بسرعة وسهولة، وأسره بدون عناء «أنا متأكد أن لحمك اللذيذ سيجعلني أشعر بالشبع لعدة أيام»

ثم عندما كاد النمر أن يضعه في فكه خطرت في ذهن الثعلب الماكر خطة تبقيه على قيد الحياة (للهروب من مصيره المحتوم).

فجأةً تحدث إلى النمر قائلاً، وهو متفاخر بصوتٍ عالٍ وباستياءٍ شديدٍ زمجر: «أيها النمر، كيف تجرؤ على لمسي! ألا تعلم أنك لا تستطيع أن تأكلني؟ ألا تعلم أنه تم تعييني من قبل إمبراطور السماء للسيطرة والحكم على سائر الوحوش البرية! كيف تجرؤ على أكلي! أنا ملك الغابة! وإذا ما أكلتني الآن فسوف تنتهك وتعصي إرادة وأمر السماء! وبالتأكيد سيتم معاقبتك بشدة!»

عندما سمع النمر قوله لاحظ صغر حجم الثعلب وبدأ بالضحك بشدة وقال: «ها ها ها! أنا ملك الوحوش يجب أن تكون غدائي! أنا لا أصدقك أيها الثعلب! يجب أن تكون شجاعًا وتقبل موتك!»

ثم نظر إلى الثعلب فرآه واثقًا وغير مرعوب، فارتاب وقال بفضول مشكك: «هل لديك ما يُثبت لي أنك ملك الغابة؟».

رد الثعلب عليه بثقة قائلاً: «إذا كنت لا تصدقني سأثبت لك ذلك الآن هيا اتبعني إلى الغابة، ولكي تضمن عدم هربي قم بالسير خلفي مباشرة، وسترى بعينيك كيف أن جميع الحيوانات تهرب لأنها تخاف مني وتحترمني! سأريك قوتي الحقيقية»، فقال النمر: «حسنًا!»

ثم دون أدنى شك ذهب في نزهة بالغابة بينما يقود الثعلب الطريق بثقة ويتبعه النمر بحذر

وأثناء سيرهما أينما ذهبا كانت جميع الحيوانات تهرب بذعر سريع من حولهما وتختبئ في الأشجار

فقال الثعلب بفخر: «أرأيت قوتي بالفعل؟ من يجرؤ على أن لا يخاف مني؟» فأجاب النمر: «نعم رأيت! أنا أصدق ما قلت لي إن حضورك مهيب بالفعل، فبمجرد رؤيتهم لك هربوا على الفور من فضلك سامحني! ولا تدعني أُعاقب» ثم استدار النمر دون أن ينبس بكلمة أخرى وهرب مثل الريح، فتلوى الثعلب الذكي من الضحك راضيًا عن مكره وقال: «ها ها ها! من حسن حظي أن هذا النمر الغبي لم يعرف حتى أن قوته هي من جعلت الحيوانات تهرب بعيدًا» وهكذا أنقذ الثعلب الذكي نفسه من فك النمر وأظهر سلطته أمام جميع الحيوانات، وجعل النمر الغبي يهرب لأنه ظن / افترض أن الحيوانات هربت من الثعلب كونه ملك الغابة، ولم يُدرك حتى أن الحيوانات كانت تخاف منه أكثر من غيرها.

laughing fox | Funny art, Art drawings, Illustration art

كيف وردت قصة الثعلب والنمر في كتاب سياسة الدول المتحاربة؟

خلال فترة الدول المتحاربة كان الجنرال "تشاو شيكسي" مشهورًا في ولاية تشو بقوته (ذائع الصيت) لذلك سأل الملك "شوان" وزراءه مستفسرًا عن سبب حدوث ذلك: «وصلني خبر أن جميع أنحاء المناطق الشمالية يرتعبون من جنرالي تشاو شيكسي هل هذا الخبر صحيح؟» فلم يجد إجابة إذ عجز الوزراء عن الرد، وفجأة روى له وزير يُدعى "جيانغ يي" قصة الثعلب و الأسد (كما ذكرتها سابقًا أعلاه) مُضيفًا على القصة: «أيها الملك الموقر أنت تمتلك منطقة تبلغ مساحتها خمسة آلاف ميل، وتمتلك جيشًا غفيرًا يزيد عدده عن مليون جندي يقوده الجنرال تشاو شيكسي لذا فإن ما تخافه الدول الشمالية في الواقع ليس الجنرال تشاو شيكسي نفسه، بل يخافون جيشك الذي بين يديه حرفيًا هم يخشون قوة الملك! مثل الحيوانات البرية التي تخاف من النمور وليس الثعالب».

متى يتم استخدام مقولة 'الثعلب يستعير قوة النمر'؟
الآن عادةً ما يستخدمها الشعب الصيني كاستعارة لوصف شخص متبجح وكاذب يتنمر على الآخرين، ويُرهبهم ويُسيطر عليهم من خلال التباهي بعلاقاته القوية (فهو كالثعلب يعتمد على خوف الآخرين لإظهار قوته)، وتُستخدم أيضًا كنصيحة لعدم الانخداع بالقوى الكاذبة (وتقييم الوضع بالكامل)، ويمكن استخدامها لتذكير الأشخاص بالتفكير بحلول ذكية لتعويض الأشياء التي يفتقرون إليها.

ملحوظة: المقولة الصينية حرفيًا تنص على 'الثعلب يستعير قوة النمر' أو 'الثعلب يستعير هيبة النمر' أو 'الثعلب يستخدم قوة النمر' وما إلى ذلك...  بالصينية تُنطق: "هو جيا هو وي" أما باليابانية تُنطق: "تورا نو إي أو كارو كيتسوني".

العبرة:

١) الثقة بالنفس والحكمة والمثابرة أقوى بكثير من القوة عند مواجهة الشدائد.

٢) الأشخاص الماكرين يتباهون دائمًا بالعيش بالكذب، ولكن طبيعتهم الهشة الحقيقية لا يمكن تغييرها أبدًا (جوهرهم الداخلي ضعيف)، وذلك يجعلهم أكثر عرضة للخطر في النهاية بمجرد أن تنكشف الحقيقة، ويفقدوا داعميهم ستُحاصَرهم الوحوش (سيعانون من العواقب).

٣) إذا أدرك النمر الكبير (الداعم) حيلتك سيقتلك.

٤) اقرأ وحلل المشهد بما هو حولك من كل الجهات لكي تغتنم الفرص الصحيحة.

٥) لا تكن شخصًا غبيًا تنخدع بالمظاهر السطحية وتُستغل بدون أن تعلم. 

٦) ركز على الجوهر قبل المظهر. 

📝 بِقلمي (اللهم اكفِنا شرّ لُطفاء المظاهر، خبثاء النوايا. اللهم أبعد عنا المنافقين وذوي الوجهين، ومَن يُظهر لنا حبّه، وفي باطنه خُبث. اللهم اكفِنا شرّ خَلقك).

زُمردة

تعطُّشي لِلمعرِفةِ جعلنِي مُحِبة لِتَفسِيرِ ما أقرأُ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الإِتّصال