حكاية إيوو دونغ: العشيقة التي فضحت العرش بين لذة الجسد وقيد الأعراف

كانت نقطة ساخنة من المُمكن إِستخدامُها كضربة سياسية إيوو دونغ، أو "أوهودونغ" كانت واحدة من أكثر النساء شهرة وجاذبية في عصر مملكة جوسون بأكملها! لكن هل كانت ضحية العصر؟ أم أنها كانت تشكل التحدي الكامل للأعراف المجتمعية؟ في هذا المقال نستكشف حياة هذه الشخصية المثيرة للجدل التي سكنت أروقة السلطة، وسلّطت الضوء على الصراع بين لذة الجسد وسلاسل الأعراف التي لم تجد فيها مكانًا للراحة أو التنازل.

المشهد الأول: ولادة الجمال والقدر

وُلدت إيوو دونغ في أسرة نبيلة حيث كان والدها "وون بارك يون تشانغ" مسؤولًا في سيونغمون وهو المكتب المسؤول عن الوثائق الدبلوماسية أما والدتها فكانت تُدعى "جيونغ غوي ديوك" ولديها شقيق أكبر يُدعى بارك سيونغ جيون، ورغم ما كانت تمتلكه من ثروة ومكانة اجتماعية إلا أن جمالها الخلاب جعل العديد من الرجال من ذوي الأنساب الرفيعة يطمعون في الزواج منها، وعندما بلغت سن الثامنة عشرة تزوجت من لي دونغ (حفيد الملك تايجونغ) مما أثار حزن الرجال الذين كانوا يتطلعون للزواج بها.

المشهد الثاني: انهيار زواج إيوو دونغ

ورغم زواجها لم تتوقف إيوو دونغ عن سلوكها المشين حيث كانت فاسقة وغير مستقيمة مما جعل زوجها يشعر بالذعر من تصرفاتها، وبعد خمس سنوات من الزواج قرر تطليقها واتهامها بالزنا مع صائغ الفضة إلا أن التحقيق كشف عن بطلان الاتهام لعدم وجود دليل قاطع (لا يعني براءتها)، وفي المقابل تم حرمان لي دونغ من شرفه مؤقتًا بسبب رفضه الامتثال للأمر بإعادة لم شمله مع زوجته، وقام بطردها وكان عمرها حينها ثلاثة وعشرون عامًا.

هل كانت إيودونغ بريئة من تهمة الزنا؟

أظهرت الأدلّة أنّها كانت بحقّ تسلك سلوكًا متهوّرًا إذ ارتبطت فعليًّا بعلاقة غير شرعيّة مع صائغٍ للفضّة متأثّرة بجاذبيّته ومظهره الساحر حيثُ كانت تختار بعناية اللحظات التي يغيب فيها زوجها عن المنزل، فترتدي ملابس خادمتها لتخفي هويّتها ثم تستدرجه إلى الغرفة الداخليّة حيث كانت تجري معه أفعالًا بذيئة بعيدة عن الفضيلة في سرّيّة تامّة على مدى عدّة أيّام متتالية.

وعندما اكتشف زوجها الحقيقة (ما كانت تفعله) طردها من بيته لكنها منذ ذلك الحين لم تتردّد في مواصلة السير في الطريق ذاته متحدّية الأخلاق ومتخفّية في زيّ خادمتها تلتقي الرجال بعيدًا عن الأعين في أجواء مريحة ومقصودة بينما كانت خادمتها ترتدي ملابس أنيقة، لتجذب بها الرجال الوسيمين إلى المنزل ذاته ثمّ تقودهم إلى غرفة سيّدتها ثم تخرج لتلتقي هي بدورها برجل آخر لها في مشهد يتكرّر كل مساء. كان أولئك الرجال من أصحاب المناصب الرفيعة من بينهم أبناء المسؤولين وأفراد من العائلات المرموقة بما في ذلك أبناءهم وأبناء عمومتهم. لقد شهدت تلك الأيام سلسلة من السلوكيات التي تتجاوز حدود العقل والمنطق إذ كانت السيدتان تتلاعبان بأقدار الرجال وكأنهم مجرّد أدوات في لعبة بلا نهاية كانت إحداهما تختار رجلًا ثم تتبادل الأدوار مع الأخرى، وكأنّ الحياة لم تكن سوى مسرح تمثّل فيه الخيانة في كل مشهد، وقد رُويت عنها أقوالٌ تعبّر عن استخفافها الشديد بما تفعل منها قول خادمتها، وهي تشير إلى أحد الرجال: «هذا ذو أنفٍ كبير، وذاك ذو أنفٍ صغير تستحقّينه يا سيّدتي» فتُجيب إيو دونغ: «سأحتفظ بهذا، وأعطيكِ ذاك».

المشهد الثالث: نهاية النبيلة المتمرّدة

وحدث ما لم يكن بالحُسبان... قيل إنّ أحد الرجال الذين زنَوا معها أفشى سرّها، وقيل في رواياتٍ أخرى إنّ أحد المارّة صادف مشهدًا مريبًا فأبلغ عنها، وفي الحالتين اندلعت الفضيحة بين العامة كالنار في الهشيم، ولأنّها كانت تشكّل خطرًا داهمًا على استقرار نظام الحكم في أسرة جوسون نظرًا لانتمائها إلى عائلةٍ نبيلة وكونها زوجة لأحد أقرباء العائلة المالكة وهي حقيقةٌ كانت كفيلة بتقويض السلطة من جذورها حاولت الحكومة التستّر على الأمر درءًا للعار لكنّها لم تجد سبيلًا سوى التخلص منها، فكان المصير قاتمًا... في ١٨ أكتوبر ١٤٨٠م  أُعدمت إيو دونغ شنقًا، ولم تبلغ بعد الثامنة والعشرين من عمرها، ومضت معها خادمتها إلى ذات المصير في مشهدٍ طواه التاريخ لكنه لم يُمحَ من الذاكرة.

الانتقام القاسي:  بعد مرور ثماني سنوات من إعدام إيو دونغ في عام ١٤٨٨م توفي والدها بارك يون تشانغ، وفي تلك الأثناء قام شقيقها بارك سيونج جيون بقتل والدته بمساعدة ابن عمه وبعض الخدم، وقد لاحظت ابنة إيو دونغ "بيون جوا" تصرفاتهم الغريبة فأبلغت عنهم مما أدى إلى اعتقال بارك سيونج جيون. كان من المقرر أن يُعدم لكنه توفي في السجن قبل صدور الحكم النهائي.

لماذا أُعدمت إيو دونغ؟ على الرغم من أن القانون كان ينص على نفي الجاني إلى مكان بعيد بدلاً من إعدامه إلا أن الأمر اختلف في حالة إيودونغ، فقد أصدر الملك أمرًا بإعدامها لتكون عبرة للجميع ولتصحيح العادات السائدة في المجتمع، فمن خلال إعدامها أراد الملك أن يرسخ مفهومًا صارمًا يحذر من تكرار مثل هذا الحدث في المستقبل، ويُعيد فرض القيم التي يجب أن تلتزم بها الطبقات العليا.

لحظة الوداع: بين العناق والدموع

عندما خرجت إييو دونغ من السجن يوم إعدامها صعدت خادمتها إلى العربة وعانقت خصرها، وقالت: «يا سيدتي، لا تفقدي عقلكِ حتى لو لم يحدث هذا الحادث أبدًا، فكيف تعرفين أن شيئًا أكبر من هذا لا يمكن أن يحدث مرة أخرى؟» فضحك كل من سمع ذلك، و عندما شُنقت ذرف الشباب دموعهم في الشارع من أجلها.

التحقيقات الكبرى: من فمها إلى عرش السلطة

إِنقسمت المحكمة حول مسألة عقوبة الإعدام أو النفي، وذلك عندما ذكرت إييو دونغ أسماء أشهر المسؤولين رفيعي المستوى في العالم، فتعرضوا للتحقيق، وتم تعذيب البعض منهم وتجريدهم من مناصبهم أو نفيهم في حين أن البعض الآخر أفلت من العقاب عندما لم تُثبت الأدلة ارتكابهم للفاحشة.

لماذا تم التعجيل في قرار إعدامها؟ ناقش الملك سيونج جونج مع مسؤولي بلاطه عدة مرات قضية إيودونغ، ورغم خطورة الموضوع، فإن من غير المعتاد أن يناقش الملك شخصيًا تفاصيل خطايا النساء كما حدث في هذه القضية، وعلى الرغم من أنها لم تكن تستحق عقوبة الإعدام حقًا، فقد أمر الملك بتعجيل حكمها، ويُقال إن هذا القرار تم اتخاذه بسرعة لأنه كان من المحتمل أن يكون الملك قد تورط معها، وقد يكون خشي من أن يكتشف الشعب علاقته بها (كان يقدم نفسه في صورة شخصية أخرى ويخفي هويته ليُعاشرها بعيدًا عن الأعين). 

 

ظلال الماضي: لماذا قتل بارك سيونج جيون والدته؟

كان بارك سيونج جيون يحمل ضغينة شديدة تجاه والدته، فقد تعرض للإساءة منها منذ طفولته حيث كانت ترتكب الزنا علنًا، وتحبسه ليلًا في صندوق، وتُعطيه مستلزمات المحظيات كما كانت تدعم أفعال إيو دونغ المشينة، وتقوم بضرب زوجها بشكل متكرر مما جعل بارك سيونج جيون يقرر الانتقام منها بقتلها.

إيو دونغ بين الضحية والجانية: ما كان عمل إيو دونغ؟ اشتهرت إيو دونغ بجمالها، وإصرارها، ورقصها، وغنائها، وكتاباتها (شعرها)، ولكن بعد أن طالتها إدعاءات السلوك غير الأخلاقي (باعتبارها عاهرة) تم إعدامها، ونُسيت مواهبها، فتم تصويرها من قبل العامة كضحية من جهة، وفي نفس الوقت تم رفضها من جهة أخرى باعتبارها غير أخلاقية.

📝 بِقلمي (اللهم نور قلوبنا، وأغفر ذنوبنا، وأستر عيوبنا، وأجْعلْنا من التَّوَّابِينَ ، و أجْعلْنا مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، وأجعلنا من الذاكرين الشاكرين الصابرين يا كريم).

زُمردة

تعطُّشي لِلمعرِفةِ جعلنِي مُحِبة لِتَفسِيرِ ما أقرأُ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الإِتّصال