مجزرةٌ طقسية جماعية: أطفالٌ قُدِّموا قرابينَ في بيرو

عام ٢٠١١م أبلغ بعضُ السكان المحليين أحدَ علماء الآثار الذين كانوا يُنقّبون آنذاك في أحد المعابد القديمة بأنهم رأوا عظامًا بشرية على جانب الطريق بالقرب من الكثبان الرملية، وبناءً على تلك الإفادة بدأ التنقيب في المنطقة الواقعة قرب بلدة هوانتشاكو الساحلية في إقليم ليبرتاد شمال البيرو حيثُ كانت تقيم واحدةٌ من أقوى الحضارات القديمة، وهي "حضارة شيمو" إحدى شعوب أمريكا الجنوبية، والتي اشتهرت بطقوسها الدينية الغريبة قبل أن تُخضعها حضارة الإنكا التي سقطت لاحقًا على يد الغزاة الإسبان.

 

وصف حالة الجثث والطقوس المرتبطة بها:

اكتشف العالم الأثري برفقة زملائه العلماء بين عامي ٢٠١١م و٢٠١٦م وجود ١٤٠ هيكلًا عظميًا كاملًا (رُفاتًا) منها ١٣٧ ترجع لضحايا أطفال من فتيان وفتيات تتراوح أعمارهم بين الخامسة والرابعة عشر حيث اقتُلعت قلوبهم (أي تمت إزالة قلوبهم)، والباقي يعود لثلاثة بالغين. 

بالإضافة إلى ذلك عُثر على أكثر من ٢٠٠ هيكل عظمي لبقايا حيوان لاما صغير عمره أقل من ثمانية عشر شهرًا، وباستخدام تقنية الكربون المشع تبين أن الجثث يعود تاريخها إلى حوالي عام ١٤٥٠م (لم يتضح بدقة العام الذي وقع فيه الحادث)، ولكن رجّح العلماء أن يكون بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر أي حوالي عام ١٤٠٠م، أي قبل ٥٠٠ سنة تقريبًا.

تمّ ملاحظة أن بعض الجثث دُفنت في أقمشة، وبعضهم كان يرتدي أغطية رأس قطنية بينما كان لدى آخرين طلاء أحمر الزنجفر محفوظ على جماجمهم حيث كانت وجوههم مغطاة بصبغة حمراء كما لاحظ الباحثون أن الأطفال دُفنوا مواجهين غرب الساحل بينما كانت جماجم اللاما تواجه شرق جبال الأنديز.
تم العثور على عظام اللاما مُحنطة ومرتبة بعناية، ورؤوسها تواجه المحيط وأقدامها مواجهه للجبال، ووُجد العديد من رُفات الأطفال مغطى بعظم واحد أو اثنين من صغار حيوان اللاما.

المذبحة الجماعية: الأسلوب والأدلة الطبية

رجح أغلب العلماء أن الأطفال وحيوان اللاما قُتلوا جميعًا بنفس الطريقة على أيدي خبراء في يوم واحد خلال حدثٍ دقيق التخطيط والتنفيذ، فقد قُتلوا بشريحة أفقية واحدة عبر عظمة القص حيث قُطعت صدورهم وانتُزعت بعض أضلاعهم مما يشير إلى أن صدورهم فُتحت لتسهيل استخراج قلوبهم وهي لا تزال تنبض، وذلك بعد وقت قصير من وفاتهم.

ما هو السبب الرئيسي الشنيع وراء هذه المذبحة الجماعية للأطفال؟
لا يمكن تحديده بشكل قاطع، ولكن يقترح المؤرخون أن عمليات القتل تمت خلال طقوس روحية بأمر من قادة ولاية شيمو، كنداء لآلهتهم أو أرواح أجدادهم لتخفيف هطول الأمطار، وذلك بدافع اليأس ردًا على حدث مناخي كارثي يُعرف بـ«نينو» تحديدًا كانت هذه الطريقة محاولة من القادة لإظهار مدى التضحيات التي سيذهبون إليها لإرضاء الآلهة وحماية المجتمع، وفي الوقت ذاته كانت بمثابة تذكير لشعبهم بسلطة القادة على مواطنيهم.

حالة الأطفال قبل المذبحة والمعاملة الخاصة لهم:

يعتقد الباحثون أن الأطفال كانوا جميعهم في صحة جيدة قبل وقت وفاتهم (قبل حادث قتلهم المُدبر)، ومن ذلك من المحتمل أنهم حصلوا على معاملة خاصة حيث تم تدريبهم على كيفية التصرف في هذا الحدث كما تم تزويدهم بوجبات وأطعمة خاصة في الأشهر التي سبقت وفاتهم، كما هو الحال في طقوس التضحية لدى حضارات أخرى.

الدراسات الحديثة وتوقيت المذبحة:

بعدما تم إخضاع رُفات الأطفال للدراسة اكتُشفت علامات تُشير إلى تعرُّضهم للقتل خلال فترة رطبة من السنة، كما وُجد أنهم دُفنوا في مواجهة البحر، فرجحت هذه الدراسة التفسير القائل بأنهم ربما تم التضحية بهم لإرضاء آلهة شيمو أملًا في التخفيف من ظاهرة «نينو» المناخية الكارثية.

 

التضحية البشرية كوسيلة للتفاوض مع القوى الطبيعية:

تشير الأبحاث إلى أن طقوس التضحية تُجرى غالبًا كوسيلة للتفاوض مع الكيانات التي يُعتقد أنها تتحكم في الأحداث الطبيعية في محاولة لإنهاء الكوارث المرتبطة بظاهرة «نينو».
تتسبب ظاهرة «نينو» بتقلبات مفاجئة في الطقس تؤدي إلى دمار الاقتصاد والبنية التحتية الزراعية بسبب هطول أمطار غزيرة والفيضانات والتدفقات الطينية.
يشعر المُضحون بأنهم يساهمون بحل المشكلة من خلال التخلي عن أهم مواردهم، وهي حياة أطفالهم.

المذبحة الأكبر من نوعها في أمريكا والعالم:

مع أن تقديم القرابين البشرية كان شائعًا لدى حضارات أخرى إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يُعثر فيها على مذبحة أطفال بهذا الحجم في أمريكا، وفي العالم أيضًا حيث تُعتبر أكبر تضحية جماعية للأطفال في العالم على الإطلاق حتى الآن، ويُشير الباحثون إلى أنه لا يُستبعد وجود المزيد من الضحايا تحت الأرض، فقد قال أحدهم: «أينما تحفر، ستجد هناك طفلًا».

📝 بِقلمي ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ).

زُمردة

تعطُّشي لِلمعرِفةِ جعلنِي مُحِبة لِتَفسِيرِ ما أقرأُ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الإِتّصال