في زوايا العقيدة البوذية تُروى حكايات عن أرواحٍ تائهة لا تعرف للراحة سبيلاً، ولا يسكنها الشبع تُعرف هذه الأرواح بـ"الأشباح الجائعة"، وهي في رحلة عقابٍ لا نهاية لها تدور في فلك العذاب الأبدي، وفي هذه المقالة سنغوص في أعماق هذا المفهوم الغريب لنكشف الستار عن معانيه الرمزية وجذوره الفلسفية.
ما هو عالم الأشباح الجائعة؟ في البوذية يُعتقَد أنّ جميع الكائنات الحيّة تموت وتُبعث من جديد في دورة متكرّرة تُعرف بـالسامسارا أي دورة الوجود والتناسخ، والتي تستمرّ عبر عصور لا حصر لها.
تتجسّد هذه الدورة في ستّ فئات رئيسيّة أو عوالم وجوديّة يمرّ بها الكائن تبعًا لأفعاله ونيّاته، وتتفاوت هذه العوالم من حيث مستوى المعاناة والعذاب، وتُصوَّر هذه الدورة اللامتناهية عادةً على شكل عجلة تُعرف بـ"بهافاتشاكرا"، وهي عجلة الحياة والموت التي تدور بلا توقّف حابسةً الكائنات في دائرة من الولادة والموت والمعاناة. أحد هذه العوالم هو عالم الأشباح الجائعة حيث تُلقى الأرواح التي استحوذ عليها الطمع، فصارت تلاحق الشبع ولا تدركه، وتلهث وراء اللذّة فلا تنال منها سوى العذاب.
على أيّ أساس يُوضَع الأفراد في الفئات الست؟ تُحدَّد وجهة الكائن الحي بعد موته وفقًا لأفعاله التي ارتكبها في حياته السابقة، ويُشار إلى هذه الأفعال في الفلسفة البوذية بمصطلح "كارما"، وهي القانون الذي يحكم النتائج المترتبة على كلّ فعل خيرًا كان أو شرًّا فالمرء لا يحصد إلّا ما زرع فإن كانت أفعاله سامية ونابعة من نية طاهرة ارتقى إلى عوالم أفضل حيث تقلّ المعاناة، وقد يولد من جديد في هيئة بشر أو آلهة أما إن كانت أفعاله مدفوعة بالجشع والأنانية والعنف، فإنّه يُلقى في أحد العوالم السفلى حيث المعاناة أشد، وهكذا فإنّ الكارما تُعدّ الميزان الذي تُوزن به الأرواح بعد الموت، ويكون البعث بموجبها جزاءً مستحقًّا لا محالة.
مسارات التناسخ الستة في العقيدة البوذية تُقسَّم دورة التناسخ إلى ستة مسارات أو عوالم يُبعث فيها الكائن الحي بعد موته بحسب ما راكمه من أفعال ونيّات (كارما) في حياته السابقة، وتُقسم هذه العوالم إلى قسمين:
أولاً) عوالم الخير الثلاثة العُليا:
١) عالم الآلهة والكائنات السماوية (ديفاس): عالم يزخر بالنعيم والعُمر المديد إلا أنّ ساكنيه معرّضون للغفلة والغرور.
٢) عالم أنصاف الآلهة أو الجبابرة (أسورا جاتي): كائنات قوية وناقمة تعيش في صراع دائم مع الآلهة بدافع الغيرة والحسد.
٣) عالم البشر (مانوسيا): هو العالم الذي نعيش فيه، ويُعدّ أكثر العوالم توازنًا حيث يتاح فيه السعي نحو التنوير والتحرّر.
ثانيًا) عوالم الشر الثلاثة السُّفلى:
١) عالم الحيوانات (تيرياجاتي): حيث يعيش الكائن محكومًا بالغريزة عرضة للخوف والافتراس والجهل.
٢) عالم الأشباح الجائعة (بريتا جاتي): أرواح تعذّبها شهوة لا تنطفئ تلهث وراء الطعام والشراب دون أن تنال راحة أو شبعًا.
٣) عالم الجحيم (ناركا جاتي): عالم قاسٍ تمتلئ أجواؤه بالعذاب الجسدي والروحي تتفاوت درجاته بحسب حجم الكارما السلبية.
ملاحظة: في بعض التفسيرات يُدمج عالما "الآلهة (ديفاس)" و"أنصاف الآلهة (أسورا جاتي)" معًا مما يجعل عدد العوالم خمسة بدلاً من ستة، وفي هذه المقالة سنركّز على واحد من أكثر هذه العوالم إثارة للرهبة والتأمل: (عالم الأشباح الجائعة).
من هم الأشباح الجائعة؟ هم أرواح أموات تُعاني من عذاب الجوع والعطش الأبدي، و بغض النظر عن مقدار ما يستهلكونه من رغبات لا يشبعون بتاتًا تحديدًا تُعذّبهم الرغبة الجامحة والنهم الذي يفتقر دائمًا إلى الإشباع لذلك غالبًا ما يتم تصويرهم على أنهم أرواح تشبه البشر ذات ملامح مخيفة وقبيحة وغريبة لكل من يراها؛ فجلدهم جاف محنط، وأطرافهم ذابلة، وعيونهم محمرة، وبطونهم منتفخة ضخمة فارغة كالطبول، و أعناقهم طويلة نحيلة، وأفواههم وحناجرهم صغيرة هزيلة مثل ثقب الإبرة مما يسمح لهم بابتلاع كميات صغيرة من الطعام كعقاب لإحداث جوع لا يلين، والبعض يفتقر للأفواه تحديدًا جميع الأشباح الجائعة أجسادها عبارة عن غرف تعذيب لا مفر منها وهم يستطيعون حسب رغبتهم تغيير مظهرهم لتبدو أما مثيرة للإشمئزاز أو جذابة (تتخذ أشكالًا مختلفة).
ما الذنوب التي حوّلتهم إلى أشباح جائعة؟ أولئك الذين ارتكبوا في حياتهم السابقة الخطايا السيئة والنوايا الشريرة المدفوعة بالجشع أو البخل أو الخداع أو السرقة أو العاطفة مثل الغيرة وغير ذلك... (يستسلمون بانتظام لأدنى رغباتهم) سعيًا لأشياء أو ثروات أو مشاعر أو أشخاص كما أنّ أرواح أولئك الذين قُتلوا أو انتحروا أو لم يتلقوا دفنًا لائقًا سوف تتجسّد من جديد بعد الموت كأشباح جائعة بَأسها شديد.
ما عقاب الأشباح الجائعة وهل يختلف عقاب كل شبح عن الآخر؟ نتيجةً لاختلاف ذنوبهم تختلف نوع معاناة الجوع والعطش الأبدي لكل شبح تحديدًا؛ كل شبح يُعذب بما جعله يرتكب ذلك الفعل السيء فالبعض لا يستطيع حمل نفسه بسبب بطنه الضخم وأرجله الرفيعة، وعندما يقترب من الطعام يتحول الطعام إلى أشياء غير صالحة للأكل كالبلغم أو الرماد أو القيء أو الصديد أو البول أو اللهب أو الأسلحة، ولو ابتلعوه يتحول إلى لهب نار يحرق حلقه ومعدته أو يتعفن الأكل، وحتى عندما يحاولون النظر إلى النهر لشرب الماء، يجف أو يتحول إلى كومة من الدم الفاسد ولن يرتوِ عطشهم أبدًا.
أين تعيش الأشباح الجائعة؟ تعيش بائسة منتشرة (يطوفون) في الأرض بأماكن مختلفة أما بين البشر أو في البرية (أماكن مهجورة) في قاع البحار أو بالقرب من الجبال والغابات. يتلقون عقابهم انتظارًا للخلاص، ويُقال إن رؤية ألسنة اللهب ليلاً تدل على وجود أشباح جائعة قريبة تتجول في الظلام (اللهب يخرج من أفواههم).
كم مدة تعيش الأشباح الجائعة في عالم البشر؟ عمرهم غير مؤكد ولكن قد يصل لعشرات الآلاف من السنين.
هل الأشباح الجائعة ضارة؟ الشبح الجائع كالذئب المفترس يسبب الإزعاج للبشر كونه يطمع ويشتهي ما معهم (ملكهم)، فيحوم حولهم ويجلب النحس لهم، ويمكن لبعضهم تملّك / مس البشر الذين يكونون ضعاف الإرادة لأن أجسادهم تكون شيقة وأكثر ملاءمة للشرب والأكل لهم.
هل يمكن رؤية الأشباح الجائعة؟ نعم يمكن رؤيتهم بالعيون العادية (العين المجردة) كأشكال ظلّية.
ما الذي يؤثر على الأشباح الجائعة؟ يحرقهم القمر في الصيف (الحرارة) وتجمّدهم برودة الشمس المفرطة في الشتاء.
كيف تعرف إذا تم مسك بشبح جائع؟ يعاني غالبًا الأفراد الممسوسون من أمراض المعدة والهياج والقيء، ويكون من الصعب التخلص من الشبح الجائع إذا استقر في جسد ما.
ما هو مهرجان الأشباح الجائعة (مهرجان الشبح الجائع)؟
وفقًا للتقاليد البوذية التي تم دمجها / جمعها مع التقاليد الشعبية الصينية واليابانية والهندية يُعتقد أنه خلال الشهر السابع في الليلة الخامسة عشر من التقويم القمري (في أواخر أغسطس وأوائل سبتمبر) تُفتح أبواب الجحيم لتحرر / تطلق سراح الأشباح لتتجول في الأرض بحرية (مستعدة للأكل والترفيه) ولتعامل مع أعمالهم غير المكتملة (الانتقام ممن ظلموهم) أو لينتقلوا إلى درجة وجودية أفضل، ولذلك يكمن جوهر مهرجان الأشباح الجائعة في تبجيل واحترام واسترضاء المتوفين (أشباح الأجداد والأشباح الجائعة التي تجوب الأرض) وتقديم الدعم من خلال تقديم الطعام لهم حتى لا يجلبوا للبشر الأذى ولدرء سوء الحظ (ويمنحهم ذلك بعضًا من الراحة والسكينة)، ولذلك يُطلق على الشهر السابع بأكمله اسم شهر الأشباح.
ما أصل مهرجان الأشباح الجائعة؟ هناك العديد من الأساطير حول مهرجان الأشباح الجائعة الصيني منها ما يلي:
القصة الأولى عند البوذيين: في النص البوذي "الماهايانا سوترا" يُحكى أن الراهب موليان المعروف باسم "ودغالايانا" التلميذ المقرب من بوذا عند وصوله إلى أبهيجنا (المعرفة العليا) استخدم عينيه الثالثة للبحث عن والديه المتوفيين فرأى أن والدته في الجحيم كونها كانت نباتية وأنكرت تناولها لحساء اللحم (تناولت دون أن تدري) بذلك حُكم عليها بالجحيم تحديدًا تتجول كشبح جائع، وعندما حاول إطعام والدته استولت الأشباح الأخرى على الطعام.
وتارةً قيل إنه عندما أرسل لها أرزًا كقربان (بواسطة قوته المعجزة) تحول الطعام إلى جمر قبل أن يدخل فمها عندما لمسته (لم تستطع أن تأكل) لذلك صلى الراهب لبوذا طلبًا للمساعدة كي تجد والدته السلام والراحة. ذهب إليه ليسأله عن طريقه لمساعدة والدته، فأخبره بوذا بما أن خطايا أمه كانت متجذرة بعمق (لها العديد من الخطايا) فإن الأمر يتطلب قوة روحية جماعية (السانغا) حتى تتحرر ثم طلب منه إعداد قربان من الطعام وخمس فواكه مختلفة تتميز بمئة نكهة مختلفة، والبخور والزيت والمصابيح والشموع والأسرّة والفراش في اليوم الخامس عشر من الشهر السابع وعلمه كيفية تقديم صلوات خاصة، وقدمها للرهبان ثم صلى معهم من أجل والدته ثم ولدت من جديد كإنسان وانتهى جوعها.
عندما طبق كلام بوذا بحذافيره عندها فقط تم إعفاء والدته من معاناتها كشبح جائع حيث كان مقدرًا لها أن تعاني لمدة دهر وأخبره بوذا أن الطقوس السابقة يمكن أن تُطبَّق لأسلاف المرء الذين يعودون إلى سبعة أجيال وستة أنواع من الأقارب ليهربوا من المعاناة في الحياة الآخرة، والآباء والأمهات الذين ما زالوا على قيد الحياة سوف ينعمون أيضًا بالثروة والحظ السعيد.
ومع مرور الوقت تم تناقل هذا الحدث (تشكّلت عادة شعبية) وأصبح يعرف باسم مهرجان أولامبانا، ويشار إليه أيضًا باسم مهرجان يولانبين باللغة الصينية، ويُترجم بالسنسكريتية إلى "يولان" التي تعني تعليق رأسًا على عقب، و"بين" تعني حاوية أو وعاء مليء بالقرابين لإنقاذ الأسلاف، ومع بعضهما تعني الراحة من المعاناة، ولذلك يعد المهرجان عند البوذيين بمعتقداتهم بمثابة مهرجان لتكريم أسلافهم (طاعة للوالدين).
القصة الثانية عند الطاويين: يركز الطاويون على استرضاء النفوس الهائمة المنبعثة من العالم السفلي.
* وفقًا للمعتقدات الطاوية التقليدية فإن مصير البشرية يتحكم فيه ثلاثة آلهة وهم حاكم السماء تيان جوان دا دي الذي يمنح السعادة، وحاكم الأرض ديجوان دا دي الذي يغفر الذنوب والخطايا، وحاكم الماء شوي جوان دا دي الذي يخفف المخاطر.
ففي ١٥ يناير من الشهر القمري هو عيد الفوانيس ويوم الذي يبارك فيه حاكم السماء البشر، وفي ١٥ أكتوبر هو مهرجان فوانيس الماء واليوم الذي يغيث فيه حاكم الماء من الكوارث، ومن ١ يوليو حتى ١٥ يوليو قمري هو مهرجان الأشباح واليوم الذي ينزل فيه حاكم الأرض (عيد ميلاده) فيبرأ الأحياء والأموات من الخطيئة ويعفو عن الأشباح الجائعة والأرواح المسجونة في الجحيم لكي يُباشر البشر بالطقوس والتضحيات، ولذلك الكهنة الطاويون يؤدون الطقوس والقرابين لمنعهم من التجول وإيذاء الكائنات الحية، و يزور المصلون المعابد للتوبة عن خطاياهم فضلًا عن الصلاة من أجل السعادة وتجنب الكوارث.
القصة الثالثة:
يُحكى أنه خلال فترة سلالة إمبراطورية أسرة تانغ الصينية أن راهبًا مشهورًا يُدعى "ليانغ فنغ" ادعى أنه لا يخطئ أبدًا في تنبؤاته، فاشتاط ملك تنين البحار الشرقي (كائن بشري برأس تنين) غضبًا من ادعاءاته (غار) وحاول تشويه سمعة الراهب لي (نفذ مؤامرته التي تضمنت عصيان أمر ملك السماء)، ولسوء الحظ تُكشَف خطته ويُحكم عليه بالإعدام، ولكي ينقذ الملك التنين حياته ذهب إلى الإمبراطور تانغ تايزونغ طالبًا المساعدة فوعده الإمبراطور بأن يفعل ما في وسعه لإنقاذه (شعر بالأسف) لكن لم يستطع فعل شيء، ولسوء الحظ أُعدم الملك التنين.
بعد وقت قصير من وفاته قام التنين بمطاردة الإمبراطور في أحلامه (وبخه لعدم وفاءه بوعده ولكونه أصبح روحًا ضالة) وفي اليوم التالي كان يوم ١٥ من الشهر القمري السابع، فأمر الإمبراطور جميع الكهنة البوذيين و الطاويين في مدينته بتقديم القرابين لملك التنين لإرضائه، وكان هذا بداية مهرجان الأشباح الجائعة الذي يُطلق عليه أيضًا مهرجان تشونغ يوان.
ما هي تحضيرات الاستعداد للمهرجان (التقاليد)؟ في سبيل إظهار الاحترام للأسلاف تُوضع ألواح الأسلاف العائلية وغالبًا ما تكون صورًا فوتوغرافية قديمة على الطاولة، وتُشعل أعواد البخور بالقرب منها ثم تُقدَّم أطباق الطعام المختلفة على المائدة يليها أداء طقس السجود أمام صور الأسلاف، وهو فعلٌ يُعبّر عن التقدير العميق والأمل في نيل البركة، ويُعتقد أن الامتناع عن السجود قد يترتب عليه عقابٌ من أرواح الأسلاف.
بعد ذلك تُقدَّم قرابين ورقية تمثل أموالًا، أو سبائك ذهبية، أو سلعًا فاخرة، وتحرق كطقوس رمزية لإرسالها إلى العالم الآخر، ولإرضاء "الأشباح الجائعة" العابرة يُعدّ ثلاث وجبات نباتية خاصة تتضمن منها عصيدة الأرز المعروفة باسم كونجي، وتوضع خارج المنازل أو على الأرصفة، ويُشعل البخور أمام تلك القرابين، ويُرشّ الأرز والملح كوسيلة لدعوة الأرواح لتناول الطعام.
الطقوس الاحتفالية في ختام المهرجان:تُقام في خضمّ المهرجان مسابقاتٌ للرقص تُؤدى على شرف الموتى إضافةً إلى عروض الدُمى التقليدية التي تحمل طابعًا مسرحيًا روحيًا، ويتم ترك المقاعد الأمامية خالية عمدًا احترامًا لأرواح الأسلاف الذين يُعتقد أنهم يحضرون لمشاهدة هذه العروض.
تبدأ هذه المسرحية الطقسية بظهور دُمية زعيم الطاوية للأشباح الجائعة، والمعروف باسم "طائي سي وُنيغ" حيث يتقدّم بهيبته نحو المائدة العامرة بالطعام، فيتناول منها ما قُدّم كقربان يتبعه في ذلك موكبٌ من الأشباح الجائعة التي تُمنَع بوجوده من إيذاء الأحياء أو إحداث الفوضى في عالم الأحياء، وفي اليوم الأخير من المهرجان يُمارَس طقس رمزي بالغ الأهمية إذ تُحرَق أوراق الجوس، وهي أوراق نقدية رمزية مصنوعة من الورق المعجَّن تمثّل "أموال الأشباح"، وتُرسل لهم في العالم الآخر ليستعملوها في حياتهم القادمة.
بعد ذلك تُطلق في المياه قوارب ورقية صغيرة تحمل فوانيس مضيئة تُكتب عليها أسماء الأسلاف. تمضي هذه القوارب عائمة على سطح الماء، كرمز لرحيل الأرواح، وهداية لها في طريقها نحو الحياة الأخرى في مشهد مهيب يمزج بين الجَمال والتأمل، وفي ختام الطقوس تُحرَق دمية "طائي" مع القرابين الورقية وغيرها من السلع الرمزية تأكيدًا على أن الأرواح قد غادرت إلى حيث تنتمي، وغالبًا ما يُقال: "لقد عادوا إلى الجحيم، ولن يُؤذوا أحدًا بعد الآن".
* تُصنَع هذه الفوانيس غالبًا من الخشب والورق، وتُعدّ وسيلة لهداية الأرواح الطيبة وإرشادها إلى عالَمها حيث تتبع الأشباح الفوانيس العائمة وتعود إلى عالم الأرواح في طاعة وسكينة.
رمزية الأشباح الجائعة: في الفلكلور الآسيوي لا تمثل الأشباح الجائعة مجرد أرواح هائمة أو ميتة نُسيت من قبل أبنائها، بل تتجسّد فيها صورة الفراغ البشري الداخلي. هي صورة رمزية للناس الذين يعيشون بيننا بأجسادهم لكنهم من الداخل... جياع. هم أولئك المدمنون على التملك الساعون بلا شبع خلف المال والسلطة والمكانة الاجتماعية رغم أنهم يملكون بالفعل أكثر مما يحتاجون. أرواحهم كالأشباح الجائعة لها بطون ضخمة لا تُملأ، وأفواه صغيرة بالكاد تتذوّق، لا يروون عطشهم مهما شربوا، ولا يشبعون مهما أكلوا. هم بشرٌ يعيشون في عالم الوفرة ولكن يُلاحقهم شعور دائم بالنقص، فيُلقون بأنفسهم إلى البدائل: الكحول، المخدرات، الاستهلاك القهري، العلاقات السامّة… علّهم يملؤون ذلك الثقب الأسود الذي ينخر أرواحهم.
المحرّمات خلال شهر مهرجان الأشباح الجائعة: ما لا يجوز فعله احترامًا للأرواح الطائفة؟
١) لا تجلس في الصف الأمامي أثناء عروض "غيتاي": لأن هذه المقاعد مخصصة لأرواح الموتى، والجلوس عليها يُعدّ تعديًا على حضورهم غير المرئي، وقد يُعرّضك لغضب الأرواح... أو على الأقل لغضب الأحياء من حولك (قد تتعرّض للضرب منهم بشدّة).
٢) لا تشتري شيئًا جديدًا (سيارة، منزل، عقار...)، ولا تبدأ مغامرات أو حفلات أو تنقلات أو صفقات: يُعتقد أن الأرواح الجائعة من شدة غيرتها قد تُفسد عليك فرحتك وتُعطّل كل ما سعيت إليه.
٣) لا تخرج ليلًا، ولا تذكر أسماء من معك بصوت مرتفع: فالليل زمن الأرواح، وطاقة "الين" التي يبثها القمر تجعلها أقوى وإن سمعت صوتًا يناديك باسمك، فلا تلتفت... اهرب فذلك نداء الشبح لا صديقك.
٤) لا تُعلّق الملابس خارج المنزل ليلًا: لأن الأرواح قد "تجرب" تلك الملابس و تستخدمها مدخلًا للتسلل إلى دارك.
٥) لا ترتدِ الأحمر أو الأسود: هذان اللونان يُغريان الأشباح الجائعة، فينجذبون نحوك كما ينجذب اللهب للفراشة.
٦) لا تسبح في الماء ليلًا: فالأرواح تُحوم حول الأنهار والبحار، وقد تسحبك إلى الأعماق لتحتلّ جسدك وتُرسلك إلى الجحيم بديلًا عنها.
٧) لا تُزيل شعر ساقيك خلال هذا الشهر: يُقال إن الأشباح تتجنب من له شعرٌ كثيف على ساقيه، وكأن في ذلك حماية غير متوقعة!.
٨) لا تصفّر، ولا تلتقط شيئًا من الأرض (كالنقود): فقد تكون القرابين التي وُضعت للأرواح، وأخذها يُعد سرقة من عالمهم، وهو ما قد يجلب سخطهم.
٩) لا تخطُ فوق قرابين الطعام الموضوعة على الأرصفة: وإن فعلت ذلك دون قصد فاعتذر من قلبك، فربما يغفر الشبح لك خطيئتك.
١٠) لا تلتفت لأي شيء غريب أو رائحة غير مفهومة أثناء سيرك: الأشباح تُنصب الفخاخ... وقد تكون فريسة سهلة إن فضولك تغلّب عليك.
١١) لا تنظر تحت مذبح الصلاة: لأن الأرواح قد تكون تحتفل هناك، والنظرة الواحدة قد تُفسد بهجتها وتجلب عليك اللعنة.
١٢) يجب ألّا تلمس كتف أو رأس أيّ شخص لأن ذلك قد يؤدي إلى انطفاء مشاعل النار المُحيطة به مما يجعله عرضة لهجمات الأشباح بسبب اختلال التوازن بين قوى "اليِن" و"اليانغ".
١٣) يُفضَّل أن تبقى النساء خصوصًا الحوامل داخل منازلهنّ لأن الأشباح تُفتَن بهنّ أكثر من غيرهن.
١٤) لا تقتل أيّ حشرة صغيرة أو أيّ حيوان ويجب أن تكون لطيفًا معها فقد يكون بعضها أرواح أسلافك الذين عادوا لزيارتك.
١٥) لا تَغرِز عيدان الطعام في أطباق الأرز لأن الأرواح قد تظنّها عيدان بخور وتعتقد أنك تُقدِّم لها طعامًا كقربان.
١٦) لا تترك باب المنزل مفتوحًا، ففتحه يُعتبر بمثابة دعوةٍ للروح للدخول.
* تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من المحرّمات الأخرى تختلف باختلاف المناطق والتقاليد المحلية.
📝بِقلمي (اللهُم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).