بولغاسال: وحشٌ خالد في الميثولوجيا الكورية

في أعماق الميثولوجيا الكوريّة وُلدت أسطورة "بولغاسال" وحشٌ لا يموت يتغذّى على المعادن، ويحمل النار في جسده بين رواياتٍ عن الخيانة والتجارب المحرّمة والانتقام ظلّ هذا الكائن رمزًا للرعب والحماية معًا، فكيف نشأ؟ وما حقيقته؟ هذا ما نستكشفه في هذه السطور.

 

المشهد الأوّل: اضطهادٌ وخيانة

يُعدّ بولغاسال (أو بولجاسال) واحدًا من أكثر الكائنات الأسطورية دمويةً وخلودًا في الذاكرة الكورية، وقد دارت حوله حكايات متوارثة منذ أواخر عهد مملكة كوريو.

في ذلك الزمان حين سادت الاضطرابات السياسية أصدرت الحكومة أمرًا يقضي باعتقال جميع الرهبان البوذيين في حملة قمع شرسة هدفت إلى إضعاف البوذية لصالح دعم الديانة الكونفوشيوسية، وجاء هذا القرار ذريعةً بعد فضيحة راهبٍ متنفّذٍ استغلّ سلطته واعتدى على النساء جنسيًا ما أثار غضب العامة.

هرب معظم الرهبان من المعابد، وكان من بينهم راهب لجأ إلى بيت شقيقته التي أخفته داخل خزانة الجدار، وتختلف الروايات: بعضهم قال إنها من عرضت عليه المخبأ، وبعضهم أشار إلى أنه استجدى حمايتها إلا أنّها ما لبثت أن خانته، وعرضت على زوجها تسليمه مقابل مكافأة مالية لكن الزوج (كان بوذيًّا مخلصًا) استشاط غضبًا من خيانتها فقتلها، وأطلق سراح الراهب.

 

المشهد الثاني: ولادة الوحش الذي لا يموت

خلال فترة اختبائه داخل الخزانة شرع الراهب في تجربةٍ غامضة وغريبة إذ صنع مخلوقًا صغيرًا من حبّات الأرزّ المطهوّة بالبخار، وأطعمه إبرةً معدنيّة. بدأ ذلك الكائن العجيب في النموّ تدريجيًا، وكان كلّما ابتلع معدنًا ازداد ضخامةً.

راح الوحش يلتهم كل ما يقع عليه من خردة معدنية في المنزل حتى غدا عملاقًا لا يُروى جوعه، وحين أرسلت الحكومة جنودها للقضاء عليه لم تفلح أسلحتهم، بل كانت تغذّيه وتزيده بأسًا أما حين حاولوا إحراقه، فقد امتصّ اللهب، وصار جسده يتوهّج نيرانًا ينشر بها الخراب في أرجاء القرية. اندلعت الحرائق ومات العديد من السكان، ومنذ ذلك اليوم أطلقوا عليه اسم "بولغاسال" أي الكائن الذي لا يُقتل.

 

المشهد الثالث: وصف بولغاسال ومكانته الرمزية

منذ ذلك اليوم سُمّي الكائن "بولغاسال" أي الكائن الذي لا يمكن قتله، وقد وصفه الأدب الكوري التقليدي بأن له جسد دبّ، وأنف فيل، وعين وحيد قرن، ومخالب نمر، وأسنان كمناشير، وجلد كالثعبان، وذيل ثور.

 

رغم طبيعته المخيفة وُضعت صوره لاحقًا حول قصر "كيونغ بوكغونغ" وفي منحوتات الجسور والأساسات واللوحات والقطع الخشبية، كرمزٍ يُعتقد أنه يجلب الحماية من الكوارث والحرائق.

 

  المشهد الرابع: روايات موازية للأسطورة

١) في بعض الروايات يُغرى الوحش بقطع معدنيّة ثم يُحرَق ذيله بالصوّان، ويتحوّل في النهاية إلى كومة من الأرزّ المتفحّم.

٢) رواية أخرى تقول إن الراهب صنع الوحش كتعبير عن امتنانه لصهره الذي أنقذه من خيانة أخته.

الخاتمة: الأسطورة المستمرّة

حتى يومنا هذا يُشاع أنّ بولغاسال لا يزال يتجوّل في الغابات الكوريّة ككائنٍ خالدٍ لا يُقهر.

📝 بقلمي (سُبْحَانَكَ اللهُمّ وَبِحَمْدِكَ).

زُمردة

تعطُّشي لِلمعرِفةِ جعلنِي مُحِبة لِتَفسِيرِ ما أقرأُ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الإِتّصال