بين أوراق الخريف الذابلة، وفي بقعةٍ من الأرض تفيض صمتًا تتفتح زهرةٌ لا تُشبه غيرها… زهرةٌ تُعرف باسم "زنبق العنكبوت الأحمر"، بلونها الدامي، وحضورها الغامض الذي يلامس حدود الموت والحياة، وفي هذا المقال نغوص في عالم هذه الزهرة الغريبة، لنكتشف أساطيرها، ودلالاتها التي تنسج خيوطها بين طيّات الوداع والبعث.
الشكل والخصائص: زهرة زنبق العنكبوت الحمراء هي نبات فريد وجذاب (سامّ ومميت) تنتمي إلى فصيلة النرجسية من عائلة الأماريليداسيا / الأماّرلس، وعادةً ما تكون ألوانها الأصفر أو الأبيض، وأكثرها شيوعًا اللون الأحمر. غالبًا ما تتفتح في أواخر الصيف وأوائل الخريف في موطنها الأصلي شرق آسيا (الصين واليابان)، ولكن الآن يُمكن العثور عليها في أجزاء عديدة من العالم.
الاسم العلمي ومعناه: (ليكوريس رادياتا) الاسم مشتق من كلمتين: (ليكوريس) كلمة يونانية تعني الشفق، و (رادياتا) كلمة لاتينية تعني "إشعاع" أو "تناظر هندسي" أو "التألق". هذا المعنى يصف الشكل الخارجي للزهرة إذ تتخذ الزهرة نمطًا دائريًا مبهرجًا يشع بأشعة البتلات التي تمتد وتتفرع نحو الخارج على طول الساق مشابهاً تقريبًا لعجلة الدراجة الهوائية في تناظرها الجميل.
الأسماء الشعبية المتعددة للزهرة العديد من الأسماء العامية التي قد تصل إلى ألف اسم، ومن أشهرها: زنبق الجحيم، القيامة، الزنبق المفاجئ، زنبق الإعصار، زهرة المطر ، الزنبق السحري، زهرة الوداع، زهرة الموت، زهرة القبر، زهرة الجنازة، صرخة الشبح، زهرة الأشباح، امرأة الثلج، زهرة الجثة، زهرة الطفل المهجور، زهرة السماء، زهرة الاعتدال ألخ.....
لماذا سُميت بهذه الأسماء؟
١) زهرة زنبق العنكبوت: سُميت بذلك لأن شكل أزهارها الغريب (طويل ورفيع) يشبه أرجل العنكبوت كما أنها ترتبط بأسطورة أَرَاكْنِي الإغريقية.
٢) زهرة الطفل المهجور: ترجع هذه التسمية إلى أسطورة يابانية عن أم شابة ماتت أثناء الولادة، فتحولت روحها إلى زهرة زنبق العنكبوت الأحمر حيث تُزهر بالقرب من قبور الأطفال المهجورين. توجد أسطورة أخرى عن فتاة ضاعت في الغابة وماتت، و عندما عادت روحها إلى المنزل وجدت عائلتها قد رحلوا ونسوها لذا يُقال إن الزهرة تُزهر في كل خريف تعبيرًا عن عودة الفتاة للبحث عن عائلتها، وما يثير الدهشة في هذه الزهرة حقيقة أن زهورها تتفتح أولًا ثمّ تسقط أزهارها قبل أن تظهر أوراقها لاحقًا لذلك شبّهها اليابانيون بالأم والطفل: فالزهرة هي الطفل، والأوراق هي الأم، كأنّ الأم ظهرت بعد رحيل ابنها، أو كأنّها قد هجرته... ولهذا السبب أطلقوا عليها اسم زهرة التضحية.
٣) امرأة الثلج: في اليابان تُعرف باسم (هانا نو يوكي أونا) وتعني امرأة الثلج نسبةً إلى قصة زوجة تحولت إلى زهرة بعد موتها أثناء انتظارها عودة زوجها من الحرب حيث تمثل الزهرة شغفها وحبها الشديد.
٤) زهرة الجثة والموت: تُزهر هذه الزهرة غالبًا في المقابر، ولذلك ارتبطت بالموت و الغياب كما أن لونها القرمزي جعل الناس يظنون أنها تمتص دماء الموتى.
٥) زهرة الإعصار والرعد: في اليابان تُعرف باسم (كاميناريبانا) لأنها عادةً ما تُزهر بعد هطول الأمطار الغزيرة أو الأعاصير.

٦) زهرة المطر: لأنها تتفتح الزهرة موسم الأمطار، وتُعتبر علامة على بداية فصل جديد.
٧) زهرة الاعتدال: باللغة اليابانية تُعرف هذه الزهرة باسم "هيغانبانا"، والذي يشير إلى خاصية فريدة تتمثل في تفتح الزهرة مرة واحدة فقط كل عام خلال فترة الاعتدال الخريفي في أواخر الصيف أو أوائل الخريف حين يتساوى طول النهار والليل. في هذا الوقت تنمو سيقان الزهرة فجأة وتتفتح بألوانها الزاهية. يتزامن هذا التوقيت مع المهرجانات البوذية المعروفة بـ "هيجان" التي تكرم الأسلاف والأرواح حيث يتم وضع باقات من زنابق العنكبوت الأحمر على قبور الموتى، ويُعتقد أن هذه الفترة هي الوحيدة التي يمكن فيها للأحياء عبور جسر العالمين (عالم الأحياء وعالم الأموات) فيتمنوا مرورًا سلسًا لأرواح المتوفين.
يظن الناس أن هذه الزهور قادرة على جذب الأرواح من العالم الآخر مما يمنحهم شعورًا بالراحة والارتباط بالعالم الروحي لذلك تُعرف زهرة الاعتدال أيضًا بـ "زهرة العالم الآخر" أو "زهرة الجحيم" (جيجوكوبانا) بسبب شكلها الغريب الذي يخلو من الأوراق مما يجعلها تبدو وكأنها ليست من هذا العالم.
٨) الزهرة السماوية: باللغة السنسكريتية تُعرف هذه الزهرة باسم "مانجوساكا" أو "مانجوشاج"، وهو مصطلح يعود إلى الكتب المقدسة البوذية. تُروى الأسطورة بأنها إحدى الزهور التي سقطت من السماء احتفالًا بتبشير الكتاب البوذي المقدس لبوذا كعلامة مبشرة وسعيدة لسقوط الأشياء قبل وقوع حدثٍ ميمون، ونظرًا لأنها زهرة سماوية لا تنمو في عالم البشر قام الرهبان بزراعتها لتمثيلها في الأرض، ومنذ ذلك الحين ارتبطت هذه الزهرة بالمعابد البوذية حيث يُعتقد أنها تجعل قلب العابد أكثر مرونة واتصالًا بالكون، فهي تزيل الكارما الشريرة لتساعد المرء على الوصول إلى حالة الاستنارة الروحية.
٩) زهرة المظلة: في اليابان تُعرف باسم (تينجيبانا) نسبة إلى تشابهها مع مظلة المعبد البوذي.
١٠) زهرة الثعلب: تفتح زهورها الحمراء الزاهية فجأة، فتبدو كما لو أنها متنكرة في زي ثعلب ماكر. لونها الناري يشبه فراء الثعلب مما يمنحها انطباعًا بأنها تتخفى بين الأعشاب بخفة ودهاء، كأنها تجسد روح هذا الحيوان الذكي والمراوغ في عالم الأزهار.
١١) زهرة الحلاق: تعرف في اليابان باسم (رازوريبانا) لأن أوراقها تشبه السيوف اليابانية.
١٢) زهرة الأشباح: في اللغة اليابانية تُعرف هذه الزهرة باسم "يوريبانا" الذي يشير إلى حقيقة أن هذه الزهرة تُزهر في الأماكن التي شهدت معاناة بشرية عميقة أو خسائر فادحة مثل ساحات المعارك أو مواقع الكوارث التاريخية، ويُقال إن أزهارها الغريبة تمثل أشكالًا من الأشباح الباقية حيث يعتقد الناس أن تمايل الزهرة في النسيم يشبه حركات الأرواح المتجولة مما يضفي عليها هالة من الغموض والرعب الروحي.
١٣) الزهرة السامة (دوكوبانا) وزهرة الخدر(شيببانا): أُطلق عليها هذان الاسمان لتحذير الناس من خطورتها الشديدة، ولإظهار الحقيقة المأساوية التي تقول إنّ الآباء والأبناء قد قتلوا بعضهم البعض بواسطة سمّ هذه الزهرة.
١٤) زهرة الوداع: لأنها ترمز للوداع والولادة من جديد، وغالبًا ما تُعطى لمن هم على وشك الانطلاق في رحلة طويلة.
١٥) الزهور المنسية:
يُقال إن لهذه الزهرة فعالية عجيبة تجعل الإنسان ينسى طريق العالم الحقيقي، وينجذب بسهولة إلى العالم الآخر، فهي تمتص جميع الذكريات سواء كانت سعيدة أو حزينة، ليعبر المرء إلى ذلك العالم دون ألم أو معاناة.
رمز الزهرة في لغة الزهور اليابانية (هاناكوتوبا) لها ألوان متعددة بفضل تحسّن التكاثر إلا أن اللون الأحمر يظل الأكثر شيوعًا وانتشارًا.
١) الزنبق الأبيض: يرمز إلى الرغبة في اللقاء، وهو تعبير عن شعور مخلص وشوق عميق. ينقل الزنبق الأبيض رسالة تقول: «أتطلع إلى اليوم الذي نلتقي فيه مرةً أخرى، فكل ما أفكر فيه هو أنت فقط، أنت الوحيد الذي يشغل فكري».
٢) زهرة زنبق العنكبوت الصفراء: ترمز إلى الولع العاطفي وقلب مثقل بالأحاسيس، وبفضل لونها الأصفر المشرق تثير في النفس شعورًا بالبهجة والتفاؤل، كأنها تعبر عن انتصار الروح على الحزن، ومحاولة العيش بإيجابية رغم ذكرياتها الحزينة.
٣) زهرة زنبق العنكبوت الحمراء: ترمز للفراق والهجر والوحدة، وهشاشة الحياة التي لا تدوم، كرمز للموت والذكريات المؤلمة التي تحكي قصة الأحباب الراحلين، ورغم ذلك تحمل في لونها الأحمر شعلة الشغف المشتعل، فتبدو كأنها نيران لا تنطفئ تذكرنا أن الحياة مهما اشتدت صعوبتها ستستمر وتعود إلى مجراها الطبيعي.
٤) زنابق العنكبوت الوردية والبرتقالية: وُلدت هذه الأزهار من رحم التهجين والاختيار الانتقائي، فليست من الألوان الأصلية للنبتة فالزنبقة الوردية ترمز إلى المرح الرقيق والتعاطف العميق، كأنها تهمس: «سأفعل أي شيء من أجلك» أما الزنبقة البرتقالية تنبض بجاذبيةٍ مبهرة، ولكنها تحمل في طيّاتها انطباعًا غريبًا يجمع بين السحر والخوف، وكأن حضورها يوقظ القشعريرة في القلب ويُثير الحذر في الروح.
الزهرة في الثقافة البصرية (رمز الموت والهروب من الألم): من الشائع رؤية زهور زنبق العنكبوت في الرسوم المتحركة اليابانية (الأنمي) أو القصص المصوّرة (المانغا) حيث تُستخدم عادةً كرمز لحتمية الموت أو النهاية الحزينة، وغالبًا ما ترتبط بظهور شخصية تُعاني من أفكار انتحارية، إذ يُنظر إلى الموت حينها كوسيلة للهروب من الألم النفسي العميق، أو كـ"أمل أخير" في الراحة، وللتنويه فإن زنبق العنكبوت ذو اللون الأزرق الذي قد يظهر في بعض هذه الأعمال غير موجود في الطبيعة، بل هو من وحي الخيال الفني.
أشهر الأساطير المرتبطة بزنبق العنكبوت الأحمر:
القصة الأولى (حبٌّ شيطاني وزهرة من الجحيم): يُروى أن شيطانًا لمح ذات يوم بشريّةً جميلة، فهام بها عشقًا من النظرة الأولى دون أن يلقى منها أي مقابل. حاول مرارًا وتكرارًا الاقتراب منها لكنها كانت تنفر منه دومًا إذ أرعبتها نظراته المخيفة وهيئته الغريبة، وحين باءت كل محاولاته بالفشل اختطفها واحتجزها في سجنه ظنًّا منه أن الزمن كفيلٌ بجعلها تشعر بمحبته، وتُغيّر رأيها فيه، وربما تُبادله الحبّ غير أن الأقدار كانت له بالمرصاد، فقد ظهر جنديٌ شجاع تحدّى الظلام، وقاتل الشيطان حتى أرداه قتيلًا وحرّر الفتاة من قيده، وقبل أن يُسحب الشيطان إلى الجحيم تناثر دمه القرمزي على الأرض، ومنه نبتت زهرةٌ حمراء لامعة (زهرة زنبق العنكبوت الأحمر)، ومنذ ذلك الحين صارت هذه الزهرة تُعرف بأنها الجسر الذي يصل بين عالم الأحياء وعالم الموتى (بوابة بين الأرض والجحيم) تنبت دائمًا حيث يسود الفقد أو الفراق.
القصة الثانية (زهرة الولاء والإخلاص): يُروى أن فتى صغيرًا كان يُحبّ والدته الأرملة المريضة حبًّا جمًّا، وكان يُفني يومه في البحث عن أعشابٍ طبية علّها تشفي علّتها، وفي أحد الأيام، وبينما كان في طريقه اعترضه بعض قطاع الطرق حاولوا سرقة حصانه لكنه دافع عنه بكل ما أوتي من قوة، ولما عجز عن صدّهم عرض عليهم إحدى ساقيه فداءً لحصانه لأنه كان الوسيلة الوحيدة لنقل الأعشاب إلى والدته، فوافقوا وأخذوا الساق ورحلوا. تأثرت الآلهة بذلك التصرّف العظيم، وبما رأت فيه من إخلاصٍ نادرٍ وطاعةٍ طاهرة، فحوّلت الصبي إلى زهرة الزنبق العنكبوت البيضاء، لكي يبقى إلى جانب والدته إلى الأبد لا يفارقهما الموت، ومنذ ذلك الحين غدت هذه الزهرة رمزًا للولاء والطاعة والإخلاص خاصة طاعة الوالدين، وغالبًا ما تُقدّم كهديّة رمزية لكبار السنّ خلال عيد "تشوسوك" الكوري تحت اسم: "زهرة الوفاء".
القصة الثالثة (راهبٌ أحبّ، فصار زهرة): يُروى أن فتاةً حزينةً قصدت المعبد حدادًا على والدها الراحل، لتُصلّي من أجل راحته، وتطلب من بوذا أن يُيسر له طريقه نحو الجنة. مكثت في المعبد مائة يوم لا تكلّ عن الدعاء و التأمل البوذي.
وفي أحد الأيام بينما كانت تحاول أن تتفادى زخات المطر رآها راهبٌ شاب، فهزّه جمالها الصامت، ووقع في حبّها من النظرة الأولى لكنه لم يُفصح عن مشاعره، فعهده كراهب يُحرّم عليه ذلك، وحين انقضت الأيام المئة رحلت الفتاة وعادت إلى منزلها لكن قلب الراهب لم يعرف طعم الراحة بعد ذلك، فقد تسلل الشوق إليه حتى سلبه النوم والطعام وظلّ هائمًا على وجهه حتى لفظ أنفاسه بعد مرور ثلاثة أشهر وعشرة أيام متألمًا دون أن يتمكن من البوح لها بحبّه. رثاه الراهب العجوز، ودفنه في مكانٍ مشمسٍ بجوار المعبد، وتقول الحكاية إن زهرة زنبق العنكبوت الحمراء نبتت على قبره، كأنها تجسيد لحبه الخالد، وحنينه المؤلم، ومنذ ذلك الحين صارت هذه الزهرة ترمز إلى الحب من طرفٍ واحد، والشوق الذي لا يُروى، والعشق الذي لا يُدرك، ويقال إنّها تُزرع حول المعابد لكبح جماح الشوق عبر القوة الروحية.
نهايته التراجيدية تشبه تلك الزهرة تمامًا: حين كان حيًّا لم يستطع رؤيتها... وحين أصبح زهرة لا يجتمع أبدًا مع الأوراق إذ لا تتفتح أوراقها إلا حين تذبل الأزهار، وكأن الأقدار أرادت أن تقول: «حتى في الطبيعة لا يُكتب لهذا الحب أن يكتمل».
القصة الرابعة (أسطورة الحُرّاس المنفيين): في أسطورة صينية قديمة أوكلت الإلهة العظمى أماتيراسو (سيدة الشمس وخالقة الكون) مهمة حراسة زهرة الزنبق العنكبوتي إلى اثنين من الجان شرطًا أن لا يلتقيا أبدًا.
أحدهما يحرس الأوراق، والآخر يحرس البتلات، وكلّ منهما لا يعرف عن الآخر سوى أنه موجود في الجهة المقابلة من الحياة لكن بعد آلاف السنين من الحراسة الصامتة تغلغل الفضول في قلبيهما، فتسللا من مواقع الحراسة، والتقيا لأول مرة، ووقعا في حبٍ خاطف كالسهم من نظرةٍ واحدة.
حين علمت أماتيراسو بالأمر اشتعل غضبها، فلَعَنتهما بلعنةٍ أبدية: أن لا يلتقيا مرةً أخرى لا في هذه الحياة، ولا في التي بعدها حتى لو تناسخا فستكون أرواحهما دائمًا منفصلة، ومنذ ذلك الحين لا تلتقي أبدًا أزهار الزنبق الحمراء مع أوراقها؛ فحين تتفتح الأزهار تكون الأوراق قد ذبلت، وكأن في الطبيعة تجسيدٌ للعقوبة، ولهذا تُعرف هذه الزهرة باسم مانيغوساكا، خليط من اسمي العفريتين (مانجيو وساكا) رمزًا لدورة حب مأساوية لا تنتهي..
معلومة: في بعض الروايات تُصوّر أماتيراسو
كإلهة أنثى (كما في الشنتو الياباني) لكن بعض الباحثين أشاروا إلى وجود
تفسيرات أو نصوص قديمة قد تجعل جنسها غير محسوم، وبالمثل فإن العفريتين (أو الجنيّتين) يختلف وصفهما؛ فتارة يُقال إنهما رجلان وتارة امرأتان.
القصة الخامسة (دمعة الآلهة): تُحكى أسطورة أن إحدى الآلهات أحبت إلهًا آخر حبًّا لا يُضاهى لكنها لم تجد في قلبه سوى الصمت والجمود، فانهمرت دموعها الحمراء من فرط الحسرة، وسقطت على الأرض، ومع كل دمعة نبتت زهرة حمراء، كأن الطبيعة قررت أن تحفظ حزنها إلى الأبد، ومنذ ذلك الحين صارت زنبقة العنكبوت الحمراء تُعدُّ رمزًا للحبّ غير المُتبادل، وللقلوب التي ما زالت تنتظر من لا ينتبه إليها.
القصة السادسة (لقاء العشاق): أما في أسطورةٍ أخرى فيُروى أن امرأةً أحبت رجلًا حُبًّا عميقًا لكنه كان حبًّا ممنوعًا من الوجود، فعوقب الحبيبان بالفراق، وتم نفي الرجل بعيدًا عنها ظلت تنتظره عامًا بعد عام حتى ماتت شوقًا دون أن تراه مجددًا لكن حين وصلت إلى العالم السفلي تأثرت الآلهة بقصتها، ومنحت روحها فرصة ثمينة: أن تعود إلى الحياة مرة واحدة كل عام خلال فترة الاعتدال الخريفي، لتلتقي بحبيبها لبضع لحظات.
القصة السابعة (زنبقة الخيانة): يُحكى أن رجلًا أحبّ امرأة، فقرر أن يُهديها زنبقة عنكبوت بيضاء كرمزٍ لنقاء حبّه لكنّه اكتشف أنها خانته، فسقطت في قلبه ظلال الحقد، و طعنها بالزهرة ذاتها وامتزج بياض الزهرة بدمائها، وتحول لونها إلى أحمر داكن، وهكذا وُلدت الزهرة الحمراء رمزًا لـ الحب الملوث بالخيانة، والزهور التي لا تُهدى إلا مرة واحدة.
القصة الثامنة (طريق الأرواح المنسية): يُحكى أن زهرةَ زنبق العنكبوت الحمراء تطوعت للذهاب إلى الجحيم، وقبل أن يتمَّ الاستيلاء عليها من قِبل الشياطين ترددت في المسير، فسمحوا لها بالازدهار على ذلك الطريق الذي ترددت فيه، وبذلك أصبح ذلك الطريق ممرًّا للنُفوس التي ستغادر عالم البشر، فعندما تمرُّ الروح تمتصُّ الزهرة ذكرياتها لتمنحها النسيان كرحمةٍ أخيرة (لينسى الإنسان كل شيءٍ من حياته).
القصة التاسعة (لعنة الثعبان): راهبٌ قتل زوجةَ ثعبانٍ دون سببٍ مفهوم، فلعنه الثعبانُ الذكر، وتحول الراهب نفسه إلى وحشٍ ثعباني ينشر المرض والأسى، ومع ندمه وبكائه رُفعت اللعنة عنه بعد أن صلى وغُفِر له ، وما أن عاد النور لقلبه حتى أزهرت الزنابق في مكان المأساة.
القصة العاشرة (ثعبانة العشق الخالد): ثُعبانة أُنثى أحبت رجلًا فانٍ، وحين خطفه الموت من بين أنياب الزمن حاولت أن تُعيده للحياة عبر قوى زنابق العنكبوت لكن الراهب وقف بوجهها.
القصة الحادية عشرة (هدية المنفى العاشق): إلهٌ أنقذ فتاةً من ثُعبانٍ برؤوسٍ ثمانية، فوقع في غرامها لكنه نُفي من السماء بأمر شقيقه، وقبل أن يغادر عالم البشر ترك لحبيبته زهور زنبق العنكبوت الحمراء تذكارًا عن حبٍّ لا تُطفئه حتى النجوم، ولا يقطعه سوى المنفى السماوي.

القصة الثانية عشر (رحلة الزوج إلى العالم السفلي): يُروى في الأساطير اليابانية أن إحدى الإلهات تُوفيت أثناء الولادة، فانطلق زوجها إلى العالم السفلي لاستعادتها، وعندما وجدها لم يستطع أخذها معه إذ لم يعد بمقدورها المغادرة لأنها كانت قد تناولت طعام العالم السفلي بالفعل. حاول زوجها العودة إلى عالم الأحياء وتمكن من الهروب دون عقاب، وأثناء مغادرته رأى جسد زوجته المتحلل مغطّى بأزهار زنبق العنكبوت الأحمر.
القصة الثالثة عشر (زهرة التضحية): يُحكى في إحدى الأساطير أن زهرة زنابق العنكبوت الحمراء جُلبت إلى اليابان على يد المبشرين المسيحيين الأوائل من اليهود حيث كانوا يزرعونها لتمييز الطرق التي سلكوها أثناء تنقلهم لكن معظمهم ماتوا نتيجة الاضطهاد أو المرض لذا اعتُبرت هذه الزهرة رمزًا لتضحية المسيح إذ يرمز لونها الأحمر إلى الدم الذي سُفك على الصليب.
هل زهرة زنبق العنكبوت سامة؟ لمسها لا يسبب أي ضرر للجسم، ولكن جميع أجزاءها (الزهور، الأوراق، السيقان، والجذور) تحتوي على سموم، وعلى الرغم من سُميتها، فقد كان يُتناولها قديمًا كغذاء في أوقات المجاعة خصوصًا أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية، وذلك عبر تخفيفها بالماء وطهيها بشكل يخفف من السموم.
بماذا تُستخدم زهرة زنبق العنكبوت الحمراء؟
١) تُستخدم بُصيلات زهرة زنبق العنكبوت الحمراء في الطب الصيني التقليدي لعلاج العديد من الأمراض المختلفة مثل الالتهابات ومشاكل الجهاز الهضمي، كما تُستخدم في مستحضرات التجميل ومنتجات العناية بالبشرة والتفتيح، وذلك لاحتوائها على خصائص مضادة للشيخوخة، والآن تُجرى دراسات لفهم فوائدها الطبية بشكل أعمق حيث يُعتقد أنها تمتلك أيضًا خصائص مضادة للسرطان، ومن المحتمل أن تُستخدم قريبًا في علاج هذا المرض.
٢) قديمًا في اليابان كان من الشائع دفن الجثث مباشرة في الأرض حيث تُردم الجثة و تُسوّى التربة عليها حتى تتحلل لكن كانت هذه الجثث تتعرض للافتراس والحفر من قبل الثعالب وكلاب الراكون وحيوانات الخلد وغيرها من الآفات مما يُعقّد تحللها ويُتلف المحاصيل المجاورة، ولحماية الجثث والمحاصيل من هذه الحيوانات كان الناس يزرعون زهرة زنبق العنكبوت الحمراء حول القبور وفوق الجثث المدفونة وبالقرب من ضفاف المزارع كوسيلة لردع الحيوانات، ومن هنا اكتسبت الزهرة أسماءً مثل "زهرة الموت" أو "زهرة الجنازة" (باليابانية: شيبتوبانا)، و"زهرة الجثة" (باليابانية: سوشيكبانا)، وفي بعض الثقافات تُعتبر الزهرة أيضًا قادرة على تنقية المياه الملوثة.
٣) يُعتقد أن زهرة زنبق العنكبوت الحمراء تنمو على طول جوانب الطرق المؤدية إلى العالم السفلي، وتمثل بذلك الحدود الفاصلة بين عالم الأحياء وعالم الأموات، كمنارة ترشد الأرواح من العالم الحي إلى الحياة الأخرى لهذا السبب تُستخدم الزهرة في الطقوس الشامانية باعتبارها مسكنًا للأرواح كما يُزرعها الكوريون بالقرب من المقابر كرمز لتكريم وتذكر المتوفين، وإحياء ذكراهم.

أقوال عن زهرة زنبق العنكبوت الأحمر:
١) يُقال: إذا دخلت هذه الزهرة إلى منزلك، فقد يجلب ذلك نشوب حريق، ففي الصين يُعتقد أنها تجذب الأشباح والقلق، ويُروى أنه إذا أُكِلَت، فإن صاحبها يذهب إلى العالم الآخر بسبب سميتها القاتلة (ربما كانت هذه الأقوال وسيلة لتخويف الأطفال ومنعهم من لمسها).
٢) يُقال: إن أردت ألا تلتقي بشخص معين، فواعده أمام زهرة العنكبوت الأحمر، ولن تصادفه مرة أخرى أبداً، فالزهرة تفتح أزهارها في الطريق الذي سار فيه هذا الشخص بعد الفراق، كأنها علامة فاصلة وحاجز بين اللقاء والفراق لذا لا تواعد أو تلتقي بصديقك المقرب أمامها، فربما لا تراه مجددًا.
٣) يُقال: إن زهرة زنبق العنكبوت الأحمر تُزهر في المكان الذي يلفظ فيه العاشقان وداعهما الأخير، فتكون شاهدًا على الألم والحنين، وتُذكّر بأن للحب نهاية لا تُنسى.
📝بِقلمي «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ
مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ،
أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».