في أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر كان العالم الفيزيولوجي الروسي إيفان بتروفيتش بافلوف يجري تجربة على أحد الكلاب بهدف فهم ومعرفة العلاقة بين إفراز الكلاب للُعابهم في عمليات الهضم، وردود الفعل على إطعامهم (لدراسة الاستجابة العصبية)، ومن خلال الصدفة اكتشف حينها ظاهرة عظيمة سماها بالإشراط الكلاسيكي المعروفة أيضًا باسم (تكييف بافلوفيان)، ونال بفضل أبحاثه عن عمليات الهضم عام ١٩٠٤م جائزة نوبل.
ما هي تجرُبة بافلوف تحديدًا ؟
لفهم أوضح للنظرية يجب فهم كُل المُصطلحات الآتية:
* المثير: هو حدث له تأثير في سلوك الفرد وينقسم إلى قسمين:
١) المثير غير مشروط / الطبيعي = سمة طبيعية تُسبب حدوث رد فعل طبيعي وتلقائي مثل تقديم الطعام.
٢) المثير المشروط : هو محفز بديل يحفز نفس الاستجابة التي يسببها المحفز غير مشروط كصوت الجرس الذي يتوجب على الكلاب تعلم ربطه مع الاستجابة المطلوبة .
* الاستجابة: رد فعل الذي ينتج عن المثير وينقسم إلى قسمين:
١) الاستجابة الغير مشروطة: رد فعل طبيعي مثل (إفراز اللُعاب).
٢) الاستجابة المشروطة: إفراز اللُعاب عند سماع صوت الجرس حيث تعلمت الكلاب ذلك.
*المُنبه المحايد: هو مُنبّه لا يثير أي استجابة غريزيًا. في البداية يُوضع الجانب المُثير غير المشروط (الذي يؤدي لحدوث استجابة طبيعية)، ومع الوقت يصبح هذا المحفز محققًا للاستجابة الشرطية تلقائيًا (تحصل الإستجابه بدون وجود المُثير الغير مشروط).
تحدُث عملية تكييف بافلوفيان على ثلاث مراحل هي:
١) مرحله ما قبل التكييف (قبل الاكتساب) :
قام بافلوف بعمل جراحي وصل (أدخل) من خلاله جهازًا خاصًا (أنبوب صغير مصنوع من اللحم) في خد / فم كل كلب ليقيس معدل إفراز اللُعاب لديهم عندما يتم إطعامِهِم فتوقع (تنبأ)أن الغُدد اللُعابيه للكلاب سوف تُفرز (سيسيل اللُعاب) "كاستجابه غير مشروطة" بمُجرد وضع وتقديم (المُثير الغير مشروط) الطعام أمامِهُم أو شم رائحته، ومع ذلك سرعان ما لاحظ بافلوف استجابة غريبة قبل وصول الطعام حيث أن إفراز اللُعاب كان يبدأ ويزداد بِبساطة كُلما سمعت الكلاب خَطْوَ (خُطُوَات) الأقدام وعربة مُساعد بافلوف الذي كان يُحضر إليه الطعام (ربطت الكلاب خطوات الأقدام بأنها دليل على إقتراب الطعام) ومنه استنتج أن هُناك اِرتباط بين المُحفزات الخارجية (صوت الأقدام) ورد الفعل العصبي (إفراز اللعاب).
٢) أثناء التكيف (الاكتساب) :
أثار ذلك فضول بافلوف فشرع في سلسلة من التجارب (الاختبارات التحفيزية) لرؤية ردود أفعال واستجابة الكلاب في مواقف أخرى مع تغيير المُثير.
أجرى بافلوف تجربة قرع فيها الجرس (المُنبه المحايد) قبل وقت قصير من تقديم الطعام (المُثير غير المشروط) للكلاب. في البداية لم تُبدي الكلاب أي رد فعل لصوت رنين الأجراس. استمر في تكرار هذه العملية لعدة أيام، ومع مرور الوقت بدأت الكلاب في الاستجابة الشرطية "إفراز اللُعاب" بمجرد سماع صوت رنين الجرس وحده (تحول المُنبه المحايد إلى استجابة شرطيه) قبل أن يتم تقديم الطعام لهم أو حتى رؤية الشخص الذي يُقدم لهم الطعام.
٣) بعد التكيف (مرحلة ما بعد الاكتساب) :
بعد عدة تجارب وجد (لاحظ) أن إفراز اللُعاب أصبح مقرونًا برنين الجرس حتى لو لم يتم تقديم الطعام، وهذا يُعرف بالاستجابة البافلوفية (الارتباط الشرطي الكلاسيكي).
ما العوامل المؤثرة في الإشراط الكلاسيكي؟
لكي يحدث التعلم يجب أن يظهر المحفزان تقريبًا في نفس الوقت (في وقت قصير)، ويُعرف قانون بافلوف هذا أيضًا بالتواصل الزمني. ومن الجدير بالذكر أنه لن يحدث التعلم إذا كانت الفترة الزمنية بين المحفزين كبيرة جدًا أو إذا قلت كمية التدريب وشدة المحفز والتعليمات اللفظية.
*مع تكرار حدوث هذا المُثير الشرطي (صوت الجرس) دون ارتباطه بالمُثير غير الشرطي (تقديم الطعام فعليًا) تتغير استجابة الكلب ويقل إفراز اللُعاب تدريجيًا حتى تنعدم تمامًا حيث فقد المُثير المحايد في تلك التجربة تأثيره تمامًا.
تُستخدم: مبادئ التكييف الكلاسيكي لعلاج الاضطرابات النفسية التالية مثل القلق والاكتئاب واضطراب الوسواس القهري ونوبات الهلع / الرهاب.
"الإجهاد يؤدي إلى الانغلاق. إن الظروف المختلفة التي تنتج عن الإثارة الشديدة مثل الحزن الشديد أو الإهانات المريرة غالبًا ما تؤدي إلى فقدان عميق وطويل للتوازن في النشاط العصبي والنفسي".
✅ عندما تصبح الأمور مرهقة (صدمة ناتجة عن الإجهاد) يكون الرد الطبيعي هو نسيان كل ما تعلمته ورفض المساعدة لكن تذكر أن طريق الشفاء ليس سهلًا، ولكي تتحسن يجب أن تسوء الأمور قليلاً فمن أصبح كسره سهلًا كان أسهل في التعافي مقارنة بمن كان صعبًا كسره سيكونون أكثر صعوبة في التعافي.